البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١٣
ونحو هذا روي عن قتادة والسدي ومقاتل.
وروي عن ابن عباس أيضا : نزلت واصفة أحوال قوم كانوا في الزمن المتقدم. قال أبو سليمان الدمشقي : كأنه يومىء إلى قصة الذين قالوا :«ابعث لنا ملكا» «١». وقال مجاهد : نزلت في اليهود. وقال الحسن : في المؤمنين لقوله : يخشون الناس، أي : مشركي مكة. والخشية هي ما طبع عليه البشر من المخافة، لا على المخالفة. ونحو ما قال الحسن. قال الزمخشري : قال كعّ فريق منهم لا شكا في الدين ولا رغبة عنه، ولكن نفورا عن الأخطار بالأرواح، وخوفا من الموت. وقال قوم : كان كثير من العرب استحسنوا الدخول في الدين على فرائضه التي قبل القتال من الصلاة والزكاة ونحوها، والموادعة، فلما نزل القتال شق ذلك عليهم وجزعوا له، فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لأنه تعالى لما أمر بالقتال حين طلبوه وجب امتثال أمر اللّه، فلما كعّ عنه بعضهم قال تعالى : ألا تعجب يا محمد من ناس طلبوا القتال فأمروا بالموادعة، فلما كتب عليهم فرق فريق وجزع. ومعنى كفوا أيديكم : أي عن القتال، يدل عليه : فلما كتب عليهم القتال. وقال أبو عبد اللّه الرازي : لا يقال كفوا إلا للراغبين فيه، وهم المؤمنون. وقيل : يريد المنافقين. وإنما قال : كفوا لأنهم كانوا يظهرون الرغبة فيه انتهى.
وقال أيضا : ودلت الآية على أن إيجاب الصلاة والزكاة كان مقدما على إيجاب الجهاد، وهذا الترتيب هو المطابق لما في العقول، لأن الصلاة عبارة عن التعظيم لأمر اللّه، والزكاة عبارة عن الشفقة على خلق اللّه. ولا شك أنهما متقدمان على الجهاد. والفريق إمّا منافقون، وإما مؤمنون، أو ناس في الزمان المتقدم، أو أسلموا قبل فرض القتال حسب اختلاف سبب النزول. والناس هنا أهل مكة قاله الجمهور، أو كفار أهل الكتاب ومشركو العرب.
ولمّا حرف وجوب لوجوب على مذهب سيبويه، وظرف زمان بمعنى حين على مذهب أبي علي. وإذا كانت حرفا وهو الصحيح فجوابه إذا الفجائية، وإذا كانت ظرفا فيحتاج إلى عامل فيها فيعسر، لأنه لا يمكن أن يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها، ولا يمكن أن يعمل في لما الفعل الذي يليها، لأنّ لمّا هي مضافة إلى الجملة بعدها. فقال بعضهم : العامل في لمّا معنى يخشون، كأنه قيل : جزعوا. قال : وجزعوا هو العامل في إذا

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٦.


الصفحة التالية
Icon