البحر المحيط، ج ٤، ص : ١١٤
أشار إليهم بأنهم مع المؤمنين، ولم يحكم عليهم بأنهم المؤمنون، ولا من المؤمنين، وإن كانوا قد صاروا مؤمنين تنفيرا مما كانوا عليه من عظم كفر النفاق وتعظيما لحال من كان متلبسا به. ومعنى : مع المؤمنين، رفقاؤهم ومصاحبوهم في الدارين. والذين تابوا مستثنى من قوله : في الدرك. وقيل من قوله : فلن تجد لهم. وقيل : هو مرفوع على الابتداء، والخبر فأولئك. وقال الخوفي : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط المتعلق بالذين.
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً أتى بسوف، لأن إيتاء الأجر هو يوم القيامة، وهو زمان مستقبل ليس قريبا من الزمان الحاضر. وقد قالوا : إنّ سوف أبلغ في التنفيس من السين، ولم يعد الضمير عليهم فيقال : وسوف يؤتيهم، بل أخلص ذلك الأجر للمؤمنين وهم رفقاؤهم، فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. وكتب يؤت في المصحف بغير ياء، لمّا حذفت في اللفظ لالتقاء الساكنين حذفت في الخط، ولهذا نظائر في القرآن. ووقف يعقوب عليها بالياء، ووقف السبعة بغير ياء اتباعا لرسم المصحف. وقد روى الوقف بالياء عن :
حمزة، والكسائي، ونافع. وقال أبو عمرو : ينبغي أن لا يوقف عليها لأنه إن وقف بغير ياء خالف النحويين، وإن وقف بياء خالف لفظ المصحف. والأجر العظيم هو الخلود في الجنة.
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ الخطاب قيل : للمؤمنين. وقيل :
للكافرين، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. وهذا استفهام معناه النفي أي : ما يعذبكم إن شكرتم وآمنتم. والمعنى : أنه لا منفعة له في ذلك ولا حاجة، لأن العذاب إنما يكون لشيء يعود نفعه أو يندفع ضره عن المعذب، واللّه تعالى منزه عن ذلك، وإنما عقابه المسيء لأمر قضت به حكمته تعالى، فمن شكره وآمن به لا يعذبه.
وما استفهام كما ذكرنا في موضع نصب بفعل، التقدير : أي شيء يفعل اللّه بعذابكم. والباء للسبب، استشفاء أم إدراك ثأر، أم جلب منفعة، أم دفع مضرة، فهو تعالى منزه عن ذلك. وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نافية، قال : والمعنى : ما يعذبكم. ويلزم على قوله أن تكون الباء زائدة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي : إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.
ذكر عن ابن عباس أنّ المراد بالشكر هنا توحيد اللّه. وقال الزمخشري :(فإن قلت) :