البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٧٠
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى لما نهى عن الاعتداء بأمر بالمساعدة والتظافر على الخير، إذ لا يلزم من النهي عن الاعتداء التعاون على الخير، لأنّ بينهما واسطة وهو الخلو عن الاعتداء والتعاون. وشرح الزمخشري البر والتقوى بالعفو والإغضاء، قال : ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى، فيتناول العفو انتهى. وقال قوم : هما بمعنى واحد، وكرر لاختلاف اللفظ تأكيدا. قال ابن عطية : وهذا تسامح، والعرف في دلالة هذين اللفظين يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب. فإن جعل أحدهما بدل الآخر فتجوّز انتهى. وقال ابن عباس : البر ما ائتمرت به، والتقوى ما نهيت عنه. وقال سهل : البر الإيمان، والتقوى السنة. يعني : اتباع السنة.
وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ الإثم : المعاصي، والعدوان : التعدي في حدود اللّه قاله عطاء. وقيل : الإثم الكفر، والعصيان والعدوان البدعة. وقيل : الإثم الحكم اللاحق للجرائم، والعدوان ظلم الناس قاله : ابن عطية. وقال الزمخشري : الإثم والعدوان الانتقام والتشفي قال : ويجوز أن يراد العموم لكل إثم وعدوان.
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أمر بالتقوى مطلقة، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيدا لأمرها، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب. فيجب أن يتقى وشدّة عقابه بكونه لا يطيقه أحد ولاستمراره، فإن غالب الدنيا منقض. قال مجاهد : نزلت نهيا عن الطلب بدخول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك، ولقد قيل : ذلك حليف لأبي سفيان من هذيل.
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ تقدم مثل هذه الجملة في البقرة. وقال هنا ابن عطية : ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع انتهى. وليس كذلك، فقد خالف فيه داود وغيره، وتكلمنا على ذلك في البقرة، وتأخر هنا به وتقدم هناك تفننا في الكلام واتساعا، ولكون الجلالة وقعت هناك فصلا أولا كالفصل، وهنا جاءت معطوفات بعدها، فليست فصلا ولا كالفصل، وما جاء كذلك يقتضي في أكثر المواضع المد.
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ تقدم شرح هذه الألفاظ في المفردات. قال ابن عباس وقتادة : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها، فإذا ماتت أكلوها. وقال أبو عبد اللّه : ليس الموقوذة إلا في ملك، وليس في صيد وقيذ. وقال مالك