البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٠٥
لهم صواهل في صم السّلاح كما صاح القسيات في أيدي الصياريف
وقال آخر :
فما زادوني غير سحق عمامة وخمس ميء فيها قسي وزائف
قال الفارسي : هذه اللفظة معربة وليست بأصل في كلام العرب. وقال الزمخشري وقرأ عبد اللّه قسية أي رديئة مغشوشة من قولهم : درهم قسي، وهو من القسوة، لأن الذهب والفضة الخالصتين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة. والقاسي والقاسح بالحاء إخوان في الدلالة على اليبس والصلابة انتهى. وقال المبرد : سمي الدرهم الزائف قسيّا لشدته بالغش الذي فيه، وهو يرجع إلى المعنى الأول، والقاسي والقاسح بمعنى واحد انتهى. وقول المبرد : مخالف لقول الفارسي، لأن المعهود جعله عربيا من القسوة، والفارسي جعله معربا دخيلا في كلام العرب وليس من ألفاظها.
وقرأ الهيصم بن شراح : قسية بضم القاف وتشديد الياء، كحيى. وقرئ بكسر القاف اتباعا. وقال الزمخشري : خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم، أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي. وأما أهل السنة فيقولون : إن اللّه خلق القسوة في قلوبهم.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ أي يغيرون ما شق عليهم من أحكامها، كآية الرجم بدلوها لرؤسائهم بالتحميم وهو تسويد الوجه بالفحم قال معناه ابن عباس وغيره، وقالوا :
التحريف بالتأويل لا بتغيير الألفاظ، ولا قدرة لهم على تغييرها ولا يمكن. ألا تراهم وضعوا أيديهم على آية الرجم؟ وقال مقاتل : تحريفهم الكلم هو تغييرهم صفة الرسول أزالوها وكتبوا مكانها صفة أخرى فغيروا المعنى والألفاظ، والصحيح أن تحريف الكلم عن مواضعه هو التغيير في اللفظ والمعنى، ومن اطلع على التوراة علم ذلك حقيقة، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى. وهذه الجملة وما بعدها جاءت بيانا لقسوة قلوبهم، ولا قسوة أشد من الافتراء على اللّه تعالى وتغيير وحيه. وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي الكلام بالألف. وقرأ أبو رجاء : الكلم بكسر الكاف وسكون اللام. وقرأ الجمهور : الكلم بفتح الكاف.
وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وهذا أيضا من قسوة قلوبهم وسوء فعلهم بأنفسهم، حيث ذكروا بشيء فنسوه وتركوه، وهذا الحظ من الميثاق المأخوذ عليهم. وقيل : لما غيروا ما غيّروا من التوراة استمروا على تلاوة ما غيروه، فنسوا حظا مما في التوراة قاله مجاهد.


الصفحة التالية
Icon