البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٠٦
وقيل : أنساهم نصيبا من الكتاب بسبب معاصيهم، وعن ابن مسعود : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية، وتلا هذه الآية. وقال الشاعر :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأومأ لي إلى ترك المعاصي
وقيل : تركوا نصيبهم مما أمروا به من الإيمان بالرسول وبيان نعته.
وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي هذه عادتهم وديدنهم معك، وهم على مكان أسلافهم من خيانة الرسل وقتلهم الأنبياء. فهم لا يزالون يخوفونك وينكثون عهودك، ويظاهرون عليك أعداءك، ويهمون بالقتل بك، وأن يسموك. ويحتمل أن يكون الخائنة مصدرا كالعافية، ويدل على ذلك قراءة الأعمش على خيانة، أو اسم فاعل، والهاء للمبالغة كراوية أي خائن، أو صفة لمؤنث أي قرية خائنة، أو فعلة خائنة، أو نفس خائنة.
والظاهر في الاستثناء أنه من الأشخاص في هذه الجملة، والمستثنون عبد اللّه بن سلام وأصحابه قاله : ابن عباس. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في الأفعال أي : إلا فعلا قليلا منهم، فلا تطلع فيه على خيانة. وقيل : الاستثناء من قوله : وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً «١» والمراد به المؤمنون، فإنّ القسوة زالت عن قلوبهم، وهذا فيه بعد.
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ظاهره الأمر بالمعروف والصفح عنهم جميعهم، وذلك بعث على حسن التخلق معهم ومكارم الأخلاق. وقال ابن جرير :
يجوز أن يعفو عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربا، ولم يمتنعوا من أداء جزية.
وقيل : الضمير عائد على من آمن منهم، فلا تؤاخذهم بما سلف منهم، فيكون عائدا على المستثنين. وقيل : هذا الأمر منسوخ بآية السيف. وقيل : بقوله : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «٢». وقيل : بقوله : وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً «٣» وفسر قوله : يحب المحسنين، بالعافين عن الناس، وبالذين أحسنوا عملهم بالإيمان، وبالمستثنين وهم الذين ما نقضوا العهد والذين آمنوا وبالنبي عليه السّلام لأنه المأمور في الآية بالصفح والعفو.
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ. الظاهر أنّ من تتعلق بقوله : أخذنا وأنّ الضمير في ميثاقهم عائد على الموصول، وأنّ الجملة معطوفة على قوله : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ «٤» والمعنى : أنه تعالى أخذ من النصارى ميثاق أنفسهم وهو
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٢٩.
(٣) سورة الأنفال : ٨/ ٥٨.
(٤) سورة المائدة : ٥/ ١٢.