البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٢٧
نزلت في قوم كانوا على الكفر قبل البعثة، فلما بعث الرسول كذبوه بغيا وحسدا، فعموا وصموا لمجانبة الحق، ثم تاب اللّه عليهم
أي : عرضهم للتوبة بإرسال الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وإن لم يتوبوا ثم عموا وصموا كثير منهم لأنهم لم يجمعوا كلهم على خلافه انتهى. والضمير في :
وحسبوا، عائد على بني إسرائيل، وحسبانهم سببه اغترارهم بإمهال اللّه حين كذبوا الرسل وقتلوا، أو وقوع كونهم أبناء اللّه وأحباءه في أنفسهم، وأنهم لا تمسهم النار إلا مقدار الزمان الذي عبدوا فيه العجل، وإمداد اللّه لهم بطول الأعمار وسعة الأرزاق، أو وقوع كون الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى في أنفسهم، واعتقادهم امتناع النسخ على شريعة موسى، فكل من جاءهم من رسول كذبوه وقتلوه خمسة أقوال. والفتنة هنا : الابتلاء والاختبار. فقيل : في الدّنيا بالقحط والوباء وهو الطاعون، أو القتل، أو العداوة، أو ضيق الحال، أو القمل، والضفادع، والدم، أو التيه، وقتال الجبارين، أو مجموع ما ذكر أقوال ثمانية. وقيل : في الآخرة بالافتضاح على رؤوس الأشهاد، أو هو يوم القيامة وشدته، أو العذاب بالنار والخلود ثلاثة أقوال. وقيل : الفتنة ما نالهم في الدنيا وفي الآخرة، وسدت أن وصلتها مسد مفعولي حسب على مذهب سيبويه. وقرأ الحرميان وعاصم وابن عامر : بنصب نون تكون بأن الناصبة للمضارع، وهو على الأصل إذ حسب من الأفعال التي في أصل الوضع لغير المتيقن. وقرأ النحويان وحمزة برفع النون، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة المنفية في موضع الخبر. نزل الحسبان في صدورهم منزلة العلم، وقد استعملت حسب في المتيقن قليلا قال الشاعر :
حسبت التقى والجود خير تجارة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وتكون هنا تامة.
ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ قالت جماعة : توبتهم هذه ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول وعماهم وصممهم. قيل : ولو جهم في شهواتهم فلم يبصروا الحق، ولم يسمعوا داعي اللّه. وقالت جماعة : توبتهم ببعث عيسى عليه السّلام. وقالت جماعة : بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : الأول : في زمان زكريا ويحيى وعيسى عليهم الصلاة والسّلام، ولتوفيق كثير منهم للإيمان. والثاني : في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آمن جماعة به، وأقام الكثير منهم على كفرهم. وقيل : الأول عبادة العجل ثم التوبة عنه، ثم الثاني بطلب الرؤية وهي محال غير معقول في صفات اللّه قاله : الزمخشري جريا على مذهبه الاعتزالي في إنكار رؤية اللّه


الصفحة التالية
Icon