البحر المحيط، ج ٤، ص : ٣٩
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً قيل : الدرجات باعتبار المنازل الرفيعة بعد إدخال الجنة، والمغفرة باعتبار ستر الذنب، والرحمة باعتبار دخول الجنة. والظاهر أنّ هذا التفضيل الخاص للمجاهد بنفسه وماله، ومن تفرد بأحدهما ليس كذلك. ومن المعلوم أنّ من جاهد، ومن أنفق ماله في الجهاد، ليس كمن جاهد بنفقة من عند غيره.
وفي انتصاب درجة ودرجات وجوه : أحدها : أنهما ينتصبان انتصاب المصدر لوقوع درجة موقع المرة في التفضيل، كأنه قيل : فضلهم تفضيله. كما تقول : ضربته سوطا، ووقوع درجات موقع تفضيلات كما تقول : ضربته أسواطا تعني : ضربات. والثاني : أنهما ينتصبان انتصاب الحال أي : ذوي درجة، وذوي درجات. والثالث : على تقدير حرف الجر أي : بدرجة وبدرجات. والرابع : أنهما انتصبا على معنى الظرف، إذ وقعا موقعه أي : في درجة وفي درجات. وقيل : انتصاب درجات على البدل من أجرا قيل : ومغفرة ورحمة معطوفان على درجات. وقيل : انتصبا بإضمار فعلهما أي : غفر ذنبهم مغفرة ورحمهم رحمة. وأما انتصاب أجرا عظيما فقيل : على المصدر، لأنّ معنى فضل معنى أجر، فهو مصدر من المعنى، لا من اللفظ. وقيل : على إسقاط حرف الجر أي بأجر. وقيل : مفعول بفضلهم لتضمينه معنى أعطاهم. قال الزمخشري : ونصب أجرا عظيما على أنه حال من النكرة التي هي درجات مقدّمة عليها انتهى. وهذا لا يظهر لأنه لو تأخر لم يجز أن يكون نعتا لعدم المطابقة، لأنّ أجرا عظيما مفرد، ولا يكون نعتا لدرجات، لأنها جمع. وقال ابن عطية : ونصب درجات، إما على البدل من الأجر، وإما بإضمار فعل على أن يكون تأكيدا للأجر، كما نقول لك : على ألف درهم عرفا، كأنك قلت : أعرفها عرفا انتهى. وهذا فيه نظر.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ روى البخاري عن ابن عباس : أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم، أو يضرب فيقتل، فنزلت. وقيل : قوم من أهل مكة أسلموا، فلما هاجر الرسول أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة، فلما كان يوم بدر خرج منهم قوم مع الكفار، فقتلوا ببدر فنزلت. قال عكرمة :
نزلت في خمسة قتلوا يوم بدر : قيس بن النائحة بن المغيرة، والحرث بن زمعة بن الأسود بن أسد، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج، وعلي بن