البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٣٦
المال كسب فلان أي مكتسبه، ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه وفي هذه الآية رد على المعطلة والثنوية والحشوية والفلاسفة انتهى.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف موقع قوله يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ (قلت) :
إن أراد المتوحد بالإلهية كان تقريرا له، لأن الذي استوى في علمه السرّ والعلانية، هو اللّه وحده وكذلك إذا جعلت فِي السَّماواتِ خبرا بعد خبر وإلا فهو كلام مبتدأ أو خبر ثالث، انتهى، وهذا على مذهب من يجيز أن يكون للمبتدأ أخبار متعددة.
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ مِنْ الأولى زائدة لاستغراق الجنس، ومعنى الزيادة فيها أن ما بعدها معمول لما قبلها فاعل بقوله تَأْتِيهِمْ فإذا كانت النكرة بعدها مما لا يستعمل إلا في النفي العام، كانت مِنْ لتأكيد الاستغراق نحو ما في الدار من أحد، وإذا كانت مما يجوز أن يراد بها الاستغراق، ويجوز أن يراد بها نفي الوحدة أو نفي الكمال كانت مِنْ دالة على الاستغراق نحو ما قام من رجل، ومِنْ الثانية للتبعيض. قال الزمخشري : يعني وما يظهر لهم قط دليل من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار إلا كانوا عنه مُعْرِضِينَ تاركين للنظر، لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأسا لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب انتهى. واستعمال الزمخشري قط مع المضارع في قوله : وما يظهر لهم قط دليل ليس بجيد، لأن قط ظرف مختص بالماضي إلا إن كان أراد بقوله : وما يظهر وما ظهر ولا حاجة إلى استعمال ذلك. وقيل : الآية هنا العلامة على وحدانية اللّه وانفراده بالألوهية. وقيل : الرسالة. وقيل : المعجز الخارق. وقيل : القرآن ومعنى عَنْها أي : عن قبولها أو سماعها، والإعراض ضد الإقبال وهو مجاز إذ حقيقته في الأجسام، والجملة من قوله : كانُوا ومتعلقها في موضع الحال فيكون تَأْتِيهِمْ ماضي المعنى لقوله : كانُوا أو يكون كانُوا مضارع المعنى لقوله : تَأْتِيهِمْ وذو الحال هو الضمير في تَأْتِيهِمْ، ولا يأتي ماضيا إلا بأحد شرطين أحدهما : أن يسبقه فعل كما في هذا الآية، والثاني أن تدخل على ذلك الماضي قد نحو ما زيد إلا قد ضرب عمرا، وهذا التفات وخروج من الخطاب إلى الغيبة والضمير عائد على الَّذِينَ كَفَرُوا.
وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الَّذِينَ كَفَرُوا بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم، ولما تقدّم الكلام أولا في التوحيد وثانيا في المعاد وثالثا في تقرير هذين المطلوبين، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة وبين فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل، ويدل ذلك على أن التقليد باطل وأن التأمل في الدلائل واجب ولذلك ذموا بإعراضهم عن الدلائل.
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ الحق القرآن أو الإسلام أو محمد صلى اللّه عليه وسلم أو انشقاق