البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٤٦
قطر منها آثارا لهالكين وعبرا للناظرين وجاء هنا خاصة ثُمَّ انْظُرُوا بحرف المهلة وفيما سوى ذلك بالفاء التي هي للتعقيب. وقال الزمخشري : في الفرق جعل النظر متسببا عن السير فكان السير سببا للنظر، ثم قال : فكأنه قيل : سِيرُوا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين، وهنا معناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ونبه على ذلك ب ثُمَّ لتباعد ما بين الواجب والمباح، انتهى.
وما ذكره أولا متناقض لأنه جعل النظر متسببا عن السير، فكان السير سببا للنظر ثم قال : فكأنما قيل : سِيرُوا لأجل النظر فجعل السير معلولا بالنظر فالنظر سبب له فتناقضا، ودعوى أن الفاء تكون سببية لا دليل عليها وإنما معناها التعقيب فقط وأما مثل ضربت زيدا فبكى، وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فهم من مضمون الجملة لأن الفاء موضوعة له وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء وتعقيب الزنا بالرجم فقط، وعلى تسليم أن الفاء تفيد التسبيب فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير واجب؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع وبين تلك المواضع.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢ إلى ١٣]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم، أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم بسؤالهم ذلك فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك للّه تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك للّه تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك. وقيل : في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا قُلْ لِلَّهِ وقال قوم : المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم قُلْ لِلَّهِ وللّه خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو للّه. كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد، ودل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق وظاهر كتب أنه بمعنى سطر وخط، وقال به قوم هنا وله أريد حقيقة الكتب والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ. وقيل : كَتَبَ هنا بمعنى وعد بها فضلا وكرما. وقيل : بمعنى أخبر. وقيل : أوجب إيجاب فضل وكرم