البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٥٣
وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل والضمير لغير اللّه، وقرأ الأشهب : وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ على بنائهما للفاعل وفسر بأن معناه وهو يطعم ولا يستطعم، وحكى الأزهري أطعمت بمعنى استطعمت. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح، كقولك هو يعطي ويمنع ويبسط ويقدر ويغني ويفقر، وفي قراءة من قرأ باختلاف الفعلين تجنيس التشكيل وهو أن يكون الشكل فرقا بين الكلمتين وسماه أسامة بن منقذ في بديعته تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى.
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ قال الزمخشري : لأن النبيّ سابق أمته في الإسلام كقوله وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ «١» وكقول موسى سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ «٢» قال ابن عطية : المعنى أوّل من أسلم من هذه الأمّة وبهذه الشريعة، ولا يتضمن الكلام إلا ذلك وهذا الذي قاله الزمخشري وابن عطية هو قول الحسن. قال الحسن :
معناه أول من أسلم من أمتي. قيل : وفي هذا القول نظر لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يصدر منه امتناع عن الحق وعدم انقياد إليه، وإنما هذا على طريق التعريض على الإسلام كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يتبعه بقوله أنا أول من يفعل ذلك ليحملهم على فعل ذلك. وقيل : أراد الأوّلية في الرتبة والفضيلة كما
جاء نحن الآخرون الأوّلون وفي رواية السابقون.
وقيل : أَسْلَمَ أخلص ولم يعدل باللّه شيئا. وقيل : استسلم. وقيل : أراد دخوله في دين إبراهيم عليه السّلام كقوله : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ «٣». وقيل : أول من أسلم يوم الميثاق فيكون سابقا على الخلق كلهم، كما قال : وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ «٤».
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي وقيل لي والمعنى أنه أمر بالإسلام ونهى عن الشرك، هكذا خرجه الزمخشري وابن عطية على إضمار. وقيل لي : لأنه لا ينتظم عطفه على لفظ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ فيكون مندرجا تحت لفظ قُلْ إذ لو كان كذلك لكان التركيب ولا أكون من المشركين. وقيل : هو معطوف على معمول قُلْ حملا على المعنى، والمعنى قل إني قيل لي كن أول من أسلم، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فهما جميعا محمولان على القول لكن أتى الأول بغير لفظ القول، وفيه معناه فحمل الثاني على المعنى وقيل هو معطوف على قُلْ أمر بأن يقول كذا ونهى عن كذا. وقيل : هو نهي عن موالاة المشركين. وقيل :

(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٦٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٣.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٧٨.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٧.


الصفحة التالية
Icon