البحر المحيط، ج ٤، ص : ٤٦٢
لقوله : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ. وقيل يعود على جميع هذه الأشياء من التوحيد والرسول والقرآن، كأنه ذكر أشياء ثم قال أهل الكتاب يَعْرِفُونَهُ أي يعرفون ما قلنا وما قصصنا. وقيل : يعود على كتابهم أي : يعرفون كتابهم وفيه ذكر نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقيل :
يعود على الدين والرسول فالمعنى يعرفون الإسلام أنه دين اللّه وأن محمد رسول اللّه والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هنا لفظه عام ويراد به الخاص، فإن هذا لا يعرفه ولا يقربه إلا من آمن منهم أو من أنصف والْكِتابَ التوراة والإنجيل ووحد ردا إلى الجنس. وقيل :
الْكِتابَ هنا القرآن والضمير في يَعْرِفُونَهُ عائد عليه ذكره الماوردي.
وقال أبو عبد اللّه الرازي ما ملخصه : إن كان المكتوب في التوراة والإنجيل خروج نبي في آخر الزمان فقط، فلا يتعين أن يكون هو محمدا صلى اللّه عليه وسلم أو معينا زمانه ومكانه ونسبه وحليته وشكله، فيكونون إذ ذاك عالمين به بالضرورة ولا يجوز الكذب على الجمع العظيم ولأنا نعلم بالضرورة أن كتابهم لم يشتمل على هذه التفاصيل التامة وعلى هذين التقديرين، فكيف يصح أن يقال :
يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ، وأجاب بأنهم كانوا أهلا للنظر والاستدلال وكانوا شاهدوا ظهور المعجزات على يد الرسول فعرفوا بالمعجزات كونه رسولا من عند اللّه، فالمقصود تشبيه معرفته بمعرفة أبنائهم بهذا القدر الذي ذكرناه انتهى. ولا يلزم ذلك التقسيم الذي ذكره لأنه لم يقل يعرفونه بالتوراة والإنجيل إنما ذكر يَعْرِفُونَهُ فجاز أن تكون هذه المعرفة مسندة إلى التوراة والإنجيل من أخبار أنبيائهم ونصوصهم، فالتفاصيل عندهم من ذلك لا من التوراة والإنجيل فيكون معرفتهم إياه مفصلة واضحة بالأخبار لا بالنظر في المعجزات كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ وأيضا فلا نسلم له حصر التقسيم فيما ذكره لأنه يحتمل قسما آخر وهو أن يكون التوراة والإنجيل يدلان على خروج نبي في آخر الزمان، وعلى بعض أوصافه لا على جميع الأوصاف التي ذكرت من تعيين زمان ومكان ونسب وحلية وشكل، ويدل على هذا القسم حديث عمر مع عبد اللّه بن سلام وقوله له : إن اللّه أنزل على نبيه بمكة إنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة؟
فقال عبد اللّه بن سلام : نعم أعرفه بالصفة التي وصفه اللّه بها في التوراة؟ فلا أشك فيه وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه، ومما يدل أيضا على أن معرفتهم إياه لا يتعين أن يكون مستندها التوراة والإنجيل فقط، أسئلة عبد اللّه بن سلام حين اجتمع أول اجتماعه برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أول ما يأكل أهل الجنة؟ الحديث. فحين أخبره بجواب تلك الأسئلة أسلم للوقت وعرف أنه الرسول الذي نبه عليه في التوراة، وحديث زيد بن سعنة حين ذكر أنه عرف جميع أوصافه صلى اللّه عليه وسلم غير أنه لم يعرف أن حلمه يسبق غضبه فجرب ذلك منه، فوجد هذه الصفة فأسلم. وأعرب الَّذِينَ خَسِرُوا مبتدأ


الصفحة التالية
Icon