البحر المحيط، ج ٤، ص : ٥٩
من عمل عملهم. ويقوي ذلك أنّ هؤلاء إشارة إلى حاضرين. وقرأ عبد اللّه عنه في الموضعين أي : عن طعمة. وفي قوله : فمن يجادل اللّه عنهم، وعيد محض أي : أنّ اللّه يعلم حقيقة الأمر، فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال ولا غيره. ومعنى هذا الاستفهام النفي أي : لا أحد يجادل اللّه عنهم يوم القيامة إذا حل بهم عذابه. والوكيل : الحافظ المحامي، والذي يكل الإنسان إليه أموره. وهذا الاستفهام معناه النفي أيضا، كأنه قال : لا أحد يكون وكيلا عليهم فيدافع عنهم ويحفظهم. وهاتان الجملتان انتفى في الأولى منهما المجادلة، وهي المدافعة بالفعل والنصرة بالقوة.
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
الظاهر أنهما غير أنّ عمل السوء القبيح الذي يسوء غيره، كما فعل طعمة بقتادة واليهودي. وظلم النفس ما يختص به كالحلف الكاذب. وقيل : ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك، أو يظلم نفسه بالشرك انتهى. وقيل : السوء الذنب الصغير، وظلم النفس الذنب الكبير. وقال أبو عبد اللّه الرازي : وخص ما يبدي إلى الغير باسم السوء، لأن ذلك يكون في الأكثر لا يكون ضررا حاضرا، لأنّ الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه. وقيل : السوء هنا السرقة. وقيل :
الشرك. وقيل : كل ما يأثم به. وقيل : ظلم النفس هنا رمي البريء بالتهمة. وقيل : ما دون الشرك من المعاصي. وقال ابن عطية : هما بمعنى واحد تكرر باختلاف لفظ مبالغة.
والظاهر تعليق الغفران والرحمة للعاصي على مجرد الاستغفار وأنه كاف، وهذا مقيد بمشيئة اللّه عند أهل السنة. وشرط بعضهم مع الاستغفار التوبة، وخص بعضهم ذلك بأن تكون المعصية مما بين العبد وبين ربه، دون ما بينه وبين العبيد. وقيل : الاستغفار التوبة. وفي لفظة : يجد اللّه غفورا رحيما، مبالغة في الغفران. كأنّ المغفرة والرحمة معدّان لطالبهما، مهيآن له متى طلبهما وجدهما. وهذه الآية فيها لطف عظيم ووعد كريم للعصاة إذا استغفروا اللّه، وفيها تطلب توبة بني أبيرق والذابين عنهم واستدعاؤهم لها. وعن ابن مسعود : أنها من أرجى الآيات.
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
الإثم : جامع للسوء وظلم النفس السابقين والمعنى : أنّ وبال ذلك لا حق له لا يتعدّاه إلى غيره، وهو إشارة إلى الجزاء اللاحق له في الآخرة. وختمها بصفة العلم، لأنه يعلم جميع ما يكسب، لا يغيب عنه شيء من ذلك. ثم بصفة الحكمة لأنه واضع الأشياء مواضعها فيجازى على