البحر المحيط، ج ٤، ص : ٦٠
ذلك الإثم بما تقتضيه حكمته. فالصفتان أشارتا إلى علمه بذلك الإثم، وإلى ما يستحق عليه فاعله. وفي لفظة : على، دلالة استعلاء الإثم عليه، واستيلائه وقهره له.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
قيل :
نزلت في طعمة بن أبيرق حين سرق الدرع ورماها في دار اليهودي. وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في عبد اللّه بن أبي بن سلول، إذ رمى عائشة بالإفك. وظاهر العطف بأو المغايرة، فقيل : الخطيئة ما كان عن غير عمد. والإثم : ما كان عن عمد، والصغيرة والكبيرة، أو القاصر على فعل والمتعدي إلى غيره. وقيل : الخطيئة سرقة الدرع، والإثم يمينه الكاذبة. وقال ابن السائب : الخطيئة يمين السارق الكاذبة، والإثم سرقة الدرع، ورمى اليهودي به. وقال الطبري : الخطيئة تكون عن عمد وغير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل : هما لفظان بمعنى واحد، كرّرا مبالغة. والضمير في : به، عائد على الإثم، والمعطوف بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف عليه كقوله : انفضوا إليها وعلى المعطوف كهذا. وتقدم الكلام في ذلك بأشبع من هذا. وقيل : يعود على الكسب المفهوم من يكسب. وقيل : على المكسوب. وقيل : يعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو، كأنه قيل : ثم يرم بأحد المذكورين. وقيل : ثم محذوف تقديره :
ومن يكسب خطيئة ثم يرم به بريئا أو إثما ثم يرم به بريئا، وهذه تخاريج من لم يتحقق بشيء من علم النحو.
والبريء المتهم بالذنب ولم يذنب. ومعنى : فقد احتمل بهتانا، أي برميه البريء، فإنه يبهته بذلك. وإثما مبينا أي : ظاهرا لكسبه الخطيئة أو الإثم. والمعنى : أنه يستحق عقابين : عقاب الكسب، وعقاب البهت. وقدم البهت لقربه من قوله : ثم يرم به بريئا، ولأنه ذنب أفظع من كسب الخطيئة أو الإثم. ولفظ احتمل أبلغ من حمل، لأنّ افتعل فيه للتسبب كاعتمل. ويحتمل أن يكون افتعل فيه كالمجرد كما قال : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ «١» فيكون كقدر واقتدر. لما كان الوزر يوصف بالفعل، جاء ذكر الحمل والاحتمال وهو استعارة. جعل المجني كالجرم المحمول. ولفظة : ومن تدل على العموم، فلا ينبغي أن تخصّ ببني أبيرق، بل هم مندرجون فيها. وقرأ معاذ بن جبل : ومن يكسّب بكسر الكاف وتشديد السين، وأصله : يكتسب. وقرأ الزهري : خطية بالتشديد.
(١) سورة العنكبوت : ٢٩/ ١٣. [.....]