البحر المحيط، ج ٤، ص : ٦١
وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ ءٍ
الظاهر : أنّ الضمير في منهم عائد على بني ظفر المجادلين والذابين عن بني أبيرق. أي : فلولا عصمته وإيحاؤه إليك بما كتموه، لهموا بإضلالك عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل، مع علمهم بأنّ الجاني هو صاحبهم.
فقد روي أنّ ناسا منهم كانوا يعلمون حقيقة القصة، هذا فيه بعض كلام الزمخشري، وهو قول ابن عباس من رواية السائب : أنها متعلقة بقصة طعمة وأصحابه، حيث لبسوا على الرسول أمر صاحبهم.
وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في وفد ثقيف قدموا على الرسول صلى اللّه عليه وسلم قالوا : جئناك نبايعك على أن لا نحشر ولا نعشر، وعلى أن تمتعنا بالعزى سنة، فلم يجبهم فنزلت.
وقال ابن عطية : وفق اللّه نبيه على مقدار عصمته له، وأنها بفضل من اللّه ورحمته.
وقوله تعالى : لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه، وهذا يدل على أنّ الألفاظ عامة في غير أهل النازلة، وإلا فأهل الغضب لبني أبيرق، وقد وقع همهم وثبت. والمعنى : ولولا عصمة اللّه لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله همّ نفسه، كما فعل هؤلاء، لكن العصمة تبطل كيد الجمع انتهى. والظاهر القول الأول كما ذكرنا، إلا أن الهمّ يحتاج إلى قيد أي : لهمت طائفة منهم هما يؤثر عندك. ولا بد من هذا القيد، لأنهم هموا حقيقة أعني : المجادلين عن بني أبيرق، أو يخصّ الضلال عن الدين فإنّ الهم بذلك أي : لهموا بإضلالك عن شريعتك ودينك، وعصمة اللّه إياك منعتهم أن يخطروا ذلك ببالهم. وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي : وبال ما أقدموا عليه من التعاون على الإثم والبهت، وشهادة الزور، إنما هو يخصهم. وما يضرونك من شيء من تدل على العموم نصا أي : لا يضرونك قليلا ولا كثيرا. قال القفال : وهذا وعد بالعصمة في المستقبل.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
الكتاب : هو القرآن. والحكمة تقدّم تفسيرها والمعنى : إنّ من أنزل اللّه عليه الكتاب والحكمة وأهله لذلك، وأمره بتبليغ ذلك، هو معصوم من الوقوع في الضلال والشبه.
وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
قال ابن عباس ومقاتل : هو الشرع. وقال أبو سليمان الدمشقي : أخبار الأولين والآخرين. وذكر الماوردي : الكتاب والحكمة، وذكر أيضا مقدار نفسك النفيسة. وقيل : خفيات الأمور، وضمائر الصدور التي لا يطلع عليها إلا بوحي.