البحر المحيط، ج ٤، ص : ٧٠
السجستاني : الا وثنا بضم الواو والثناء من غير همزة، كشقق. وقرأت فرقة : الا اثنا بسكون الثاء، وأصله وثنا، فاجتمع في هذا اللفظ ثماني قراءات : إناثا، وأنثى، وأنثا، وأوثانا، ووثنا، ووثنا، واثنا، وأثنا.
وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ المراد به إبليس قاله : الجمهور، وهو الصواب، لأن ما قاله بعد ذلك مبين أنه هو. وقيل : الشيطان المعين بكل صنم : أفرد لفظا وهو مجموع في المعنى الواحد يدل على الجنس. قيل كان يدخل في أجواف الأصنام فيكلم داعيها، ويحتمل أن يكون لعنه اللّه صفة، وأن يكون خبرا عنه. وقيل : هو دعاء، ولا يتعارض الحصران، لأن دعاء الأصنام ناشئ عن دعائهم الشيطان، لما عبدوا الشيطان أغراهم بعبادة الأصنام، أو لاختلاف الدعاءين، فالأول عبادة، والثاني طواعية. وقال ابن عيسى : هو مثل : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «١» يعني : أن نسبة دعائهم الأصنام هو على سبيل المجاز. وأما في الحقيقة فهم يدعون الشيطان.
وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً أي نصيبا واجبا اقتطعته لنفسي من قولهم : فرض له في العطاء، وفرض الجند رزقهم. والمعنى : لأستخلصنهم لغوايتي، ولأخصنهم بإضلالي، وهم الكفرة والعصاة. قال ابن عطية : المفروض هنا معناه المنحاز، وهو مأخوذ من الفرض، وهو الحز في العود وغيره، ويحتمل أن يريد واجبا أن اتخذه، وبعث النار هو نصيب إبليس. قال الحسن : من كل ألف تسعمائة وتسعون قالوا : ولفظ نصيب يتناول القليل فقط. والنص إنّ أتباع إبليس هم الكثير بدليل : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «٢» فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «٣» وهذا متعارض.
وأجيب أن التفاوت إنما يحصل في نوع البشر، أما إذا ضممت أنواع الملائكة مع كثرتهم إلى المؤمنين كانت الكثرة للمؤمنين. وأيضا فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد، نصيبهم عظيم عند اللّه تعالى. والكفار والفساق وإن كانوا كثيرين فهم كالعدم. انتهى تلخيص ما أحب به. والذي أقول : إنّ لفظ نصيب لا يدل على القليل والكثير، بدليل قوله :
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ «٤» الآية. والواو : قيل عاطفة، وقيل واو الحال.

_
(١) سورة الأنفال : ٨/ ١٧.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٦٢.
(٣) سورة سبأ : ٣٤/ ٢٠.
(٤) سورة النساء : ٤/ ٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon