البحر المحيط، ج ٤، ص : ٨٨
الفاعل على تفصيل في ذلك وإن كان الأجود عندهم إقامة الأول. فيحتمل أن تكون الأنفس هي المفعول الثاني، والشح هو المفعول الأول، وقام الثاني مقام الفاعل. والأولى حمل القرآن على الأفصح المتفق عليه. وقرأ العدوي : الشح بكسر الشين وهي لغة.
وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ندب تعالى إلى الإحسان في العشرة على النساء وإن كرهن مراعاة لحق الصحبة، وأمر بالتقوى في حالهن، لأنّ الزوج قد تحمله الكراهة للزوجة على أذيتها وخصومتها لا سيما وقد ظهرت منه أمارات الكراهة من النشوز والإعراض. وقد وصى النبي صلى اللّه عليه وسلم بهنّ «فإنهنّ عوان عند الأزواج»
. وقال الماتريدي : وإن تحسنوا في أن تعطوهنّ أكثر من حقهنّ، وتتقوا في أن لا تنقصوا من حقهن شيئا، . أو أن تحسنوا في إيفاء حقهنّ، والتسوية بينهنّ، وتتقوا الجور والميل وتفضيل بعض على بعض. أو أن تحسنوا في اتباع ما أمركم اللّه به من طاعتهنّ، وتتقوا ما نهاكم عنه عن معصيته انتهى. وختم آخر هذه بصفة الخبير وهو علم ما يلطف إدراكه ويدق، لأنه قد يكون بين الزوجين من خفايا الأمور ما لا يطلع عليه إلا اللّه تعالى، ولا يظهران ذلك لكل أحد.
وكان عمران بن حطان الخارجي من أدم الناس، وامرأته من أجملهنّ، فأجالت في وجهه نظرها ثم تابعت الحمد للّه، فقال : ما لك؟ قالت : حمدت اللّه على أني وإياك من أهل الجنة قال : كيف؟ قالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد اللّه الجنة الشاكرين والصابرين.
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
قال ابن عطية : روي أنها نزلت في النبي صلى اللّه عليه وسلم وميله بقلبه إلى عائشة رضي اللّه عنها
انتهى. ونبه تعالى على انتفاء استطاعة العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة، ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن، وفي ذلك عذر للرجال فيما يقع من التفاوت في الميل القلبي، والتعهد، والنظر، والتأنيس، والمفاكهة. فإن التسوية في ذلك محال خارج عن حد الاستطاعة، وعلق انتفاء الاستطاعة في التسوية على تقدير وجود الحرص من الإنسان على ذلك. وقيل : معنى أن تعدلوا في المحبة قاله : عمر، وابن عباس، والحسن. وقيل : في التسوية والقسم. وقيل : في الجماع. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : هذه قسمتي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك»
يعني المحبة، لأنّ عائشة رضي اللّه عنها كانت أحب إليه وكان عمر يقول : اللهم قلبي فلا أملكه، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل فيه.
فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ نهى تعالى عن الجور على المرغوب


الصفحة التالية
Icon