البحر المحيط، ج ٥، ص : ١٠
إليك، والجرّ على موضع الناصبة لِتُنْذِرَ المنسبك منها ومن الفعل مصدر التقدير لإنذارك به وذكرى.
وقال قوم : هو معطوف على الضمير من به وهو مذهب كوفيّ وتعاور النصب والجرّ هو على معنى وتذكير مصدر ذكر المشدّد. وقال أبو عبد اللّه الرازي : النفوس قسمان جاهلة غريقة في طلب اللّذات الجسمانية وشريفة مشرقة بالأنوار الإلهية، مستشعرة بالحوادث الروحانيّة فبعثت الأنبياء والرّسل في حقّ القسم الأول للإنذار والتخويف لما غرقوا في بحر الغفلة ورقدة الجاهلية احتاجوا إلى موقظ ومنبه، وفي حقّ القسم الثاني لتذكير وتنبيه لأنّ هذه النفوس بمقتضى جواهرها الأصلية مستشعرة بالانجذاب إلى عالم القدس والاتصال بالحضرة الصمديّة إلا أنه ربما غشيها من غواشي عالم الحسّ فيعرض نوع ذهول فإذا سمعت دعوة الأنبياء واتّصل بها أرواح رسل اللّه تذكرت مركزها وأبصرت منشأها واشتاقت إلى ما حصل هناك من الروح والراحة والريحان. فثبت أنه تعالى إنما أنزل الكتاب على رسوله ليكون إنذارا في حق طائفة، وذكرى في حق أخرى وهو كلام فلسفي خارج عن كلام المتشرّعين وهكذا كلام هذا الرجل أعاذنا اللّه منه.
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ لما ذكر تعالى أن هذا الكتاب أنزل إلى الرسول أمر الأمة باتّباعه وما أنزل إليكم يشمل القرآن والسنة لقوله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «١» ونهاهم عن ابتغاء أولياء من دون اللّه كالأصنام والرّهبان والكهّان والأحبار والنار والكواكب وغير ذلك والظاهر أن الضمير في مِنْ دُونِهِ عائد على رَبِّكُمْ. وقيل على ما وقيل على الكتاب والمعنى لا تعدلوا عنه إلى الكتب المنسوخة. وقيل أراد بالأولياء الشياطين شياطين الجنّ والإنس وإنهم الذين يحملون على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلّون عن دين اللّه. وقرأ الجحدري : ابتغوا من الابتغاء. وقرأ مجاهد ومالك بن دينار. ولا تبتغوا من الابتغاء أيضا والظاهر أنّ الخطاب هو لجميع الناس. وقال الطبري وحكاه : التقدير قل اتبعوا فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدّم الذكر عليه وانتصب قَلِيلًا على أنه نعت لمصدر محذوف وما زائدة أي يتذكرون تذكرا قليلا أي حيث يتركون دين اللّه ويتّبعون غيره وأجاز الحوفي أن يكون نعتا لمصدر محذوف