البحر المحيط، ج ٥، ص : ٢٧٥
هذا القائل وحسّنه الزمخشري هو ما فسر به ابن عطية قول الفراء بقوله هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال إلى آخر كلامه.
القول الثالث عشر أن المعنى قسمتك للغنائم حق كما كان خروجك حقا.
القول الرابع عشر أنّ التشبيه وقع بين إخراجين أي إخراجك ربك إياك من بيتك وهو مكة وأنت كاره لخروجك وكانت عاقبة ذلك الخير والنصر والظفر كإخراج ربك إياك من المدينة وبعض المؤمنين كاره يكون عقيب ذلك الظفر والنصر.
القول الخامس عشر الكاف للتشبيه على سبيل المجاز كقول القائل لعبده كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت عللك فخذهم الآن فعاقبهم بكذا وكم كسوتك وأجريت عليك الرزق فاعمل كذا وكما أحسنت إليك ما شكرتني عليه فتقدير الآية كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وغشاكم النعاس أمنة منه يعني به إياه ومن معه وأنزل من السماء ماء ليطهركم به وأنزل عليكم من السماء ملائكة مردفين فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان كأنه يقول قد أزحت عللكم وأمددتكم بالملائكة فاضربوا منهم هذه المواضع وهو القتل لتبلغوا مراد اللّه في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وملخّص هذا القول الطويل أن كَما أَخْرَجَكَ يتعلق بقوله فَاضْرِبُوا وفيه من الفصل والبعد ما لا خفاء به وقد انتهى ذكر هذه الأقوال الخمسة عشر التي وقفنا عليها.
ومن دفع إلى حوك الكلام وتقلّب في إنشاء أفانينه وزاول الفصاحة والبلاغة لم يستحسن شيئا من هذه الأقوال وإن كان بعض قائلها له إمامة في علم النحو ورسوخ قدم لكنه لم يحتط بلفظ الكلام ولم يكن في طبعه صوغه أحسن صوغ ولا التصرّف في النظر فيه من حيث الفصاحة وما به يظهر الإعجاز. وقبل تسطير هذه الأقوال هنا وقعت على جملة منها فلم يلق لخاطري منها شيء فرأيت في النوم أنني أمشي في رصيف ومعي رجل أباحثه في قوله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ فقلت له ما مرّ بي شيء مشكل مثل هذا ولعل ثم محذوفا يصح به المعنى وما وقفت فيه لأحد من المفسرين على شيء طائل ثم قلت له ظهر لي الساعة تخريجه وإن ذلك المحذوف هو نصرك واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ثم انتبهت من النوم وأنا أذكره، والتقدير فكأنه قيل كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ أي بسبب إظهار دين اللّه وإعزاز شريعته وقد كرهوا خروجك تهيبا للقتال وخوفا من الموت إذ كان أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم لخروجهم بغتة ولم يكونوا مستعدين للخروج