البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٦٨
سيبويه : أن لا موضع لما دخلت عليه إنّ، إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل، وأنه لا فرق بين إنّ وبين ليت، والإجماع أنّ لا موضع لما دخلت عليه هذه انتهى. وهذا كلام فيه تعقب، لأنّ علة كون إنّ لا موضع لما دخلت عليه، ليس ظهور عمل العامل، بدليل ليس زيد بقائم، وما في الدار من رجل، فإنه ظهر عمل العامل، ولهما موضع. وقوله :
والإجماع إلى آخره يريد : أنّ ليت لا موضع لها من الإعراب بالإجماع، وليس كذلك، لأنّ الفراء خالف وجعل حكم ليت ولعل وكان ولكن، وأنّ حكم إنّ في كون اسمهن له موضع.
وإعراب وأذان كإعراب براءة على الوجهين، ثم الجملة معطوفة على مثلها ولا وجه لقول من قال : إنه معطوف على براءة، كما لا يقال عمرو معطوف على زيد في زيد قام وعمرو قاعد.
والأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أنّ الأمان والعطاء يستعملان بمعنى الإيمان والإعطاء، ويضعف جعله خيرا عن. وأذان إذا أعربناه مبتدأ، بل الخبر قوله : إلى الناس.
وجاز الابتداء بالنكرة لأنها وصفت بقوله : من اللّه ورسوله. ويوم منصوب بما يتعلق به إلى الناس، وقد أجاز بعضهم نصبه بقوله : وأذان، وهو بعيد من جهة أنّ المصدر إذا وصف قبل أخذه معموله لا يجوز إعماله فيما بعد الصفة، ومن جهة أنه لا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد أخذه معموله، وقد أخبر عنه بقوله : إلى الناس.
لما كان سنة تسع أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يحج، فكره أن يرى المشركين يطوفون عراة، فبعث أبا بكر أميرا على الموسم، ثم أتبعه عليا ليقرأ هذه الآيات على أهل الموسم راكبا ناقته العضباء، فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال :«لا يؤدي عني إلا رجل مني» فلما اجتمعا قال : أبو بكر أمير أو مأمور، قال : مأمور. فلما كان يوم التروية خطب أبو بكر وقام عليّ يوم النحر بعد جمرة العقبة فقال :«يا أيها الناس إني رسول رسول اللّه إليكم»، فقالوا : بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين آية أو أربعين. وعن مجاهد : ثلاث عشرة ثم قال :«أمرت بأربع أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأن لا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده» فقالوا عند ذلك : يا علي أبلغ ابن عمك أنّا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف. وقيل : عادة العرب في نقض عهودها أن يتولى رجل من القبيلة، فلو تولاه أبو بكر لقالوا هذا خلاف ما يعرف منا في نقض العهود، فلذلك جعل عليا يتولاه، وكان أبو هريرة مع علي، فإذا صحل صوت عليّ نادى أبو هريرة.
والظاهر أنّ يوم الحج الأكبر هو يوم