البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٧١
مجاهد وغيره : هم قوم كان بينهم وبين الرسول صلى اللّه عليه وسلم عهد لمدة، فأمر أن يفي لهم.
وعن ابن عباس لما قرأ عليّ براءة قال لبني ضمرة وحي من كنانة وحي من سليم : إنّ اللّه قد استثناكم ثم قرأ هذه الآية.
والظاهر أنّ قوله : إلى مدتهم، يكون في المدة التي كانت بينهم وبين الرسول أمروا بإتمام العهد إلى تمام المدة. وعن ابن عباس : كان بقي لحي من كنانة تسعة أشهر، فأتم إليهم عهدهم. وعنه أيضا : إلى مدتهم، إلى الأربعة الأشهر التي في الآية.
وهذا بعيد، لأنه يكون الاستثناء لا يفيد تجديد حكم، إذ يكون حكم هؤلاء المستثنين حكم باقي المعاهدين الذين لم يتصفوا بما اتصف به هؤلاء من عدم النقض وعدم المظاهرة.
وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة، وأبو زيد، وابن السميفع : ينقضوكم بالضاد معجمة وتناسب العهد، وهي بمعنى قراءة الجمهور، لأن من نقص من العهد فقد نقص من الأجل المضروب. وهو على حذف مضاف، أي ولم ينقضوا عهدكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة الكلام عليه. وقال الكرماني : هي بالضاد أقرب إلى معنى العهد، إلا أنّ القراءة بالصاد أحسن ليقع في مقابلته التمام في قوله : فأتموا إليهم. والتمام ضد النقص. وانتصب شيئا على المصدر، أي : لا قليلا من النقص ولا كثيرا، ولم يظاهروا عليكم أحدا كما فعلت قريش ببني بكر حين أعانوهم بالسلاح على خزاعة.
وتعدى أتموا بإلى لتضمنه معنى فأدوا، أي : فأدوه تاما كاملا. وقول قتادة : إنّ المستثنين هم قريش عوهدوا زمن الحديبية مردود بإسلام قريش في الفتح قبل الإذن بهذا كله. وقوله :
يحب المتقين، تنبيه على أنّ الوفاء العهد من التقوى، وأنّ من التقوى أن لا يسوي بين القبيلتين.
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ تقدم الكلام على انسلخ في قوله : فانسلخ. وقال أبو الهيثم : يقال أهللنا هلال شهر كذا أي دخلنا فيه ولبسناه، فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه لباسا منه، ثم نسلخه عن أنفسنا بعد تكامل النصف منه جزءا فجزءا حتى نسلخه عن أنفسنا كله، فينسلخ. وأنشد :
إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله كفيّ قاتلا سلخ الشهور وإهلال
والظاهر أن هذه الأشهر هي التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها، ووصفت بالحرم لأنها محرم فيها القتال، وتقدم ذكر الخلاف في ابتدائها وانتهائها.


الصفحة التالية
Icon