البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٧٢
وإذا تقدمت النكرة وذكرت بعد ذلك فالوجه أن تذكر بالضمير نحو : لقيت رجلا فضربته. ويجوز أن يعاد اللفظ معرّفا بل نحو : لقيت رجلا فضربت الرجل، ولا يجوز أن يوصف بوصف يشعر بالمغايرة لو قلت : لقيت رجلا فضربت الرجل الأزرق، وأنت تريد الرجل الذي لقيته، لم يجز بل ينصرف ذلك إلى غيره، ويكون المضروب غير الملقى. فإن وصفته بوصف لا يشعر بالمغايرة جاز نحو : لقيت رجلا فضربت الرجل المذكور. وهنا جاء الأشهر الحرم، لأن هذا الوصف مفهوم من قوله : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، إذ التقدير أربعة أشهر حرم لا يتعرض إليكم فيها، فليس الحرم وصفا مشعرا بالمغايرة. وقيل :
الأشهر الحرم هي غير هذه الأربعة، وهي الأشهر التي حرم اللّه فيها القتال منذ خلق السموات والأرض، وهي التي جاء
في الحديث فيها «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب»
فتكون الأربعة من سنتين. وقيل : أولها المحرم، فتكون من سنة. وجاء الأمر بالقتل على سبيل التشجيع وتقوية النفس، وأنهم لا منعة عندهم من أن يقتلوا. وفي إطلاق الأمر بالقتل دليل على قتلهم بأي وجه كان، وقد قتل أبو بكر أصحاب الردّة بالإحراق بالنار، وبالحجارة، وبالرمي من رؤوس الجبال، والتنكيس في الآبار. وتعلق بعموم هذه الآية، وأحرق عليّ قوما من أهل الرّدّة، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن المثلة.
ولفظ المشركين عام في كل مشرك، وجاءت السنة باستثناء الأطفال والرهبان والشيوخ الذين ليسوا ذوي رأي في الحرب، ومن قاتل من هؤلاء قتل. وقال الزمخشري : يعني الذين نقصوكم وظاهروا عليكم. ولفظ :«حيث وجدتموهم» عام في الأماكن من حل وحرم.
«وخذوهم» عبارة عن الأسر، والأخيذ الأسير. ويدل على جواز أسرهم : واحصروهم، قيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد وقيل : استرقوهم. وقيل : معناه حاصروهم إن تحصّنوا. وقرىء : فحاصروهم شاذا، وهذا القول يروى عن ابن عباس. وعنه أيضا : حولوا بينهم وبين المسجد الحرام. وقيل : امنعوهم عن دخول بلاد الإسلام والتصرف فيها إلا بإذن. قال القرطبي في قوله :«واقعدوا لهم كل مرصد» دلالة على جواز اغتيالهم قبل الدعوة، لأنّ المعنى اقعدوا لهم مواضع الغرة، وهذا تنبيه على أنّ المقصود إيصال الأذى إليهم بكل طريق، إما بطريق القتال، وإما بطريق الاغتيال. وقد أجمع المسلمون على جواز السرقة من أموال أهل الحرب، وإسلال خيلهم، وإتلاف مواشيهم إذا عجز عن الخروج بها إلى دار الإسلام، إلا أن يصالحوا على مثل ذلك.


الصفحة التالية
Icon