البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٧٩
الجامعون لتلك الأوصاف الذميمة هم المعتدون المجاوزون الحد في الظلم والشر ونقض العهد.
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فإن تابوا عن الكفر ونقض العهد والتزموا أحكام الإسلام فإخوانكم، أي : فهم إخوانكم، والإخوان، والإخوة جمع أخ من نسب أو دين. ومن زعم أنّ الإخوة تكون في النسب، والإخوان في الصداقة، فقد غلط. قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «١» وقال : أو بيوت إخوانكم، وعلق حصول الأخوة في الدين على الالتباس بمجموع الثلاثة، ويظهر أنّ مفهوم الشرط غير مراد.
وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي نبيّنها ونوضحها. وهذه الجملة اعتراض بين الشرطين، بين قوله : فإن تابوا، وقوله : وإن نكثوا، بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل تعالى من الأحكام، وقال لقوم يعلمون لأنه لا يتأمل تفصيلها إلا من كان من أهل العلم والفهم.
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي : وإن نقضوا إقسامهم من بعد ما تعاهدوا وتحالفوا على أن لا ينكثوا. وطعنوا : أي عابوه وثلبوه واستنقصوه. والطعن هنا مجاز، وأصله الإصابة بالرمح أو العود وشبهه، وهو هنا بمعنى العيب كما
جاء في حديث إمارة أسامة :«إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل»
أي عبتموها واستنقصتموها. والظاهر أنّ هذا الترديد في الشرطين هو في حق الكفار أصلا، لأنّ من أسلم ثم ارتد فيكون قوله : فقاتلوا أئمة الكفر، أي رؤساء الكفر وزعماءه. والمعنى : فقاتلوا الكفار، وخص الأئمة بالذكر لأنهم هم الذين يحرضون الأتباع على البقاء على الكفر. وقال الكرماني : كل كافر إمام نفسه، فالمعنى فقاتلوا كل كافر. وقيل : من أقدم على نكث العهد والطعن في الدين صار رأسا في الكفر، فهو من أئمة الكفر. وقال ابن عباس : أئمة الكفر زعماء قريش. وقال القرطبي : هو بعيد، لأن الآية في سورة براءة، وحين نزلت كان اللّه قد استأصل شأفة قريش ولم يبق منهم إلا مسلم أو مسالم. وقال قتادة : المراد أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، وغيرهم، وهذا ضعيف إن لم يؤخذ على جهة المثال، لأن الآية نزلت بعد بدر بكثير. وروي عن حذيفة أنه قال : لم يجىء هؤلاء بعد، يريد لم ينقرضوا فهم يجيئون أبدا ويقاتلون. وقال ابن عطية :
أصوب ما في هذا أن يقال : إنه لا يعني بها معين، وإنما دفع الأمر بقتال أئمة الناكثين