البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٩٥
انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء تلقانا رجال بيض الوجوه حسانها فقالوا : شاهت الوجوه، ارجعوا فرجعنا، فركبوا أكتافنا.
والظاهر انتفاء الرؤية عن المؤمنين، لأن الخطاب هو لهم.
وقد روي أنّ رجلا من بني النضير قال للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق والرجال الذين كانوا عليها بيض ما كنا فيهم إلا كهيئة الشامة، وما كان قتلنا إلا بأيديهم؟ فأخبروا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال :«تلك الملائكة».
وقيل : لم تروها، نفى عن الجميع، ومن رأى بعضهم لم ير كلهم.
وقيل : لم يرها أحد من المسلمين ولا الكفار، وإنما أنزلهم يلقون التثبيت في قلوب المؤمنين والرعب والجبن في قلوب الكفار. وقال يزيد بن عامر : كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب.
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ أي بالقتل الذي استحر فيهم، والأسر لذراريهم ونسائهم، والنهب لأموالهم، وكان السبي أربعة آلاف رأس. وقيل : ستة آلاف، ومن الإبل اثنا عشر ألفا سوى ما لا يعلم من الغنم، وقسمها الرسول بالجعرانة، وفيها قصة عباس بن مرداس وشعره. وكان مالك بن عوف قد أخرج الناس للقتال والذراري ليقاتلوا عليها، فخطأه في ذلك دريد بن الصمة قال : هل يرد المنهزم شي ء؟ وفي ذلك اليوم قتل دريد القتلة المشهورة، قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي ويقال له : ابن الدغنة.
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إخبار بأن اللّه يتوب على من يشاء فيهدي من يشاء ممن بقي من الكفار للإسلام، ووعد بالمغفرة والرحمة كمالك بن عوف النضري رئيس هوازن ومن أسلم معه من قومه. وروي أنّ ناسا منهم جاؤوا فبايعوا على الإسلام وقالوا : يا رسول اللّه أنت خير الناس وأبرّ الناس، وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا، وكان سبي يومئذ ستة آلاف نفس، وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى، فقال :«إن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإمّا أموالكم» فقالوا : ما نعدل بالأحساب شيئا. وتمام الحديث أنهم أخذوا نساءهم وذراريهم إلا امرأة وقع عليها صفوان بن أمية فحملت منه فلم يردها.
أخبرنا القاضي العالم أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي قراءة مني عليه بمدينة مالقة. قال : أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن بيقي بن حبلة الخزرجي باوو بولة، قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني باسكندرية (ح) وأخبرنا أستاذنا الإمام العلامة الحافظ أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير قراءة مني عليه


الصفحة التالية
Icon