البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٠٣
إذا غطيف السلمى فرّا أو لأنّ ابنا صفة لعزير وقع بين علمين فحذف تنوينه، والخبر محذوف أي : إلا هنا ومعبودنا.
فقوله متمحل، لأنّ الذي أنكر عليهم إنما هو نسبة البنوّة إلى اللّه تعالى. ومعنى بأفواههم :
أنه قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ فارغ يفوهون به كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم لا تدل على معان، وذلك أن القول الدال على معنى لفظه مقول بالفم ومعناه مؤثر في القلب، وما لا معنى له يقال بالفم لا غير. وقيل : معنى بأفواهم إلزامهم المقالة والتأكيد، كما قال : يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ «١» وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «٢» ولا بد من حذف مضاف في قوله : يضاهون أي يضاهي قولهم والذين كفروا قدماؤهم فهو كفر قديم فيهم أو المشركون القائلون الملائكة بنات اللّه، وهو قول الضحاك. أو الضمير عائد على النصارى والذين كفروا اليهود أي : يضاهي قول النصارى في دعواهم بنوّة عيسى قول اليهود في دعواهم بنوّة عزير، واليهود أقدم من النصارى، وهو قول قتادة. وقرأ عاصم وابن مصرف : يضاهئون بالهمز، وباقي السبعة بغير همز. قاتلهم اللّه أنى يؤفكون : دعاء عليهم عام لأنواع الشر، ومن قاتله اللّه فهو المقتول. وقال ابن عباس : معناه لعنهم اللّه. وقال ابان بن تغلب :
قاتلها اللّه تلحاني وقد علمت إني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وقال قتادة : قتلهم، وذكر ابن الأنباري عاداهم. وقال النقاش : أصل قاتل الدعاء، ثم كثر استعمالهم حتى قالوه على جهة التعجب في الخير والشر، وهم لا يريدون الدعاء.
وأنشد الأصمعي :
يا قاتل اللّه ليلى كيف تعجبني وأخبر الناس أني لا أباليها
وليس من باب المفاعلة بل من باب طارقت النعل وعاقبت اللص. أنّى يؤفكون :
كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل على سبيل التعجب!.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٣٨.