البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٢٣
ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا. وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : أعليّ أن أنفر؟ قال : نعم، حتى نزلت : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ «١»
وذكر المفسرون من معاني الخفة والثقل أشياء لا على وجه التخصيص بعضها دون بعض، وإنما يحمل ذلك على التمثيل لا على الحصر. قال الحسن وعكرمة ومجاهد : شبابا وشيوخا. وقال أبو صالح : أغنياء وفقراء في اليسر والعسر. وقال الأوزاعي :
ركبانا ومشاة. وقيل : عكسه. وقال زيد بن أسلم : عزبانا ومتزوجين. وقال جويبر : أصحاء ومرضى. وقال جماعة : خفافا من السلاح أي مقلين فيه، وثقالا أي مستكثرين منه. وقال الحكم بن عيينة وزيد بن علي : خفافا من الإشغال وثقالا بها. وقال ابن عباس : خفافا من العيال، وثقالا بهم. وحكى التبريزي : خفافا من الأتباع والحاشية، ثقالا بهم. وقال علي بن عيسى : هو من خفة اليقين وثقله عند الكراهة. وحكى الماوردي : خفافا إلى الطاعة، وثقالا عن المخالفة. وحكى صاحب الفتيان : خفافا إلى المبارزة، وثقالا في المصابرة. وحكى أيضا : خفافا بالمسارعة والمبادرة، وثقالا بعد التروي والتفكر. وقال ابن زيد : وقال ابن زيد : ذوي صنعة وهو الثقيل، وغير ذوي صنعة وهو الخفيف. وحكى النقاش : شجعانا وجبنا. ويقل : مهازيل وسمانا. وقيل : سباقا إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش، والثقال الجيش بأسره. وقال ابن عباس وقتادة : النشيط والكسلان.
والجمهور على أن الأمر موقوف على فرض الكفاية، ولم يقصد به فرض الأعيان. وقال الحسن وعكرمة : هو فرض على المؤمنين عنى به فرض الأعيان في تلك المدة، ثم نسخ بقوله : وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «٢» وانتصب خفافا وثقالا على الحال. وذكر بأموالكم وأنفسكم إذ ذلك وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند اللّه، فحض على كمال الأوصاف وقدّمت الأموال إذ هي أول مصرف وقت التجهيز، وذكر ما المجاهد فيه وهو سبيل اللّه. والخيرية هي في الدنيا بغلبة العدو، ووراثة الأرض، وفي الآخرة بالثواب ورضوان اللّه. وقد غزا أبو طلحة حتى غزا في البحر ومات فيه، وغزا المقداد على ضخامته وسمنه، وسعيد بن المسيب وقد ذهبت إحدى عينيه، وابن أم مكتوم مع كونه أعمى.
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ : أي لو كان ما
(٢) سورة التوبة : ٩/ ١٢٢.