البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٦٨
التقرير. وأنه تعالى فاضح المنافقين، ومعلم المؤمنين أحوالهم التي يكتمونها شيئا فشيئا سرهم ونجواهم. هذا التقسيم عبارة عن إحاطة علم اللّه بهم. والظاهر أنّ الآية في جميع المنافقين من عاهد وأخلف وغيرهم، وخصتها فرقة بمن عاهد وأخلف. فقال الزمخشري :
ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه، وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين، وتسمية الصدقة جزية، وتدبير منعها. وقيل : أشار بسرهم إلى ما يخفونه من النفاق، وبنجواهم إلى ما يفيضون به بينهم من تنقيص الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وتعييب المؤمنين.
وقيل : سرهم ما يسار به بعضهم بعضا، ونجواهم ما تحدثوا به جهرا بينهم، وهذه أقوال متقاربة متفقة في المعنى.
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : نزلت فيمن عاب المتصدقين. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حث على الصدقة، فتصدّق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف وأمسك مثلها، فبارك له الرسول صلى اللّه عليه وسلم فيما أمسك وفيما أعطى.
وتصدق عمر بنصف ماله، وعاصم بن عدي بمائة وسق، وعثمان بصدقة عظيمة، وأبو عقيل الأرلشي بصاع تمر، وترك لعياله صاعا، وكان آجر نفسه لسقي نخيل بهما، ورجل بناقة عظيمة قال : هي وذو بطنها صدقة يا رسول اللّه، وألقى إلى الرسول خطامها فقال المنافقون : ما تصدق هؤلاء إلا رياء وسمعة، وما تصدّق أبو عقيل إلا ليذكر مع الأكابر، أو ليذكر بنفسه فيعطى من الصدقات، واللّه غني عن صاعه. وقال بعضهم : تصدق بالناقة وهي خير منه. وكان الرجل أقصر الناس قامة وأشدهم سوادا، فنظر إليه الرسول صلى اللّه عليه وسلم وقال : قل هو خير منك، ومنها يقولها ثلاثا.
وأصل المطوعين المتطوعين، فأدغمت التاء في الطاء، وهم المتبركون كعبد الرحمن وغيره. والذين لا يجدون إلا جهدهم هم مندرجون في المطوعين، ذكروا تشريفا لهم، حيث ما فاتتهم الصدقة بل تصدقوا بالشيء، وإن كانوا أشد الناس حاجة إليه، وأتعبهم في تحصيل ما تصدقوا به كأبي عقيل، وأبي خيثمة، وكان قد لمز في التصدق بالقليل ونظر أيهما. وكان أبو علي الفارسي يذهب إلى أنّ المعطوف في هذا وشبهه لم يندرج فيما عطف عليه قال : لأنه لا يسوغ عطف الشيء على مثله. وكذلك كان يقول في وملائكته ورسله وجبريل وميكال، وفي قوله : فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ «١» وإلى هذا كان يذهب تلميذه