البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٦٩
ابن جني، وأكثر الناس على خلافهما. وتسمية بعضهم التجريد، جردوا بالذكر على سبيل التشريف، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله : وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «١».
وقرأ ابن هرمز وجماعة : جهدهم بالفتح. فقيل : هما لغتان بمعنى واحد. وقال القتبي بالضم الطاقة، وبالفتح المشقة. وقال الشعبي : بالضم القوت، وبالفتح في العمل. وقيل : بالضم شيء قليل يعاش به. والأحسن في الإعراب أن يكون الذين يلمزون مبتدأ، وفي الصدقات متعلق بيلمزون، والذين لا يجدون معطوف على المطوعين، كأنه قيل : يلمزون الأغنياء وغيرهم. وفيسخرون معطوف على يلمزون، وسخر اللّه منهم وما بعده خبر عن الذين يلمزون. وذكر أبو البقاء أن قوله : والذين لا يجدون، معطوف على الذين يلمزون، وهذا غير ممكن، لأن المعطوف على المبتدأ مشارك له في الخبر، ولا يمكن مشاركة الذين لا يجدون إلا جهدهم مع الذين يلمزون إلا إن كانوا مثلهم نافقين. قال : وقيل : والذين لا يجدون معطوف على المؤمنين، وهذا بعيد جدا. قال : وخبر الأول على هذه الوجوه فيه وجهان : أحدهما فيسخرون. ودخلت الفاء لما في الذين من التشبيه بالشرط انتهى هذا الوجه. وهذا بعيد، لأنه إذ ذاك يكون الخبر كأنه مفهوم من المبتدأ، لأنّ من عاب وغمز أحدا هو ساخر منه، فقرب أن يكون مثل سيد الجارية مالكها، وهو لا يجوز. قال :
والثاني : أن الخبر سخر اللّه منهم، قال : وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون الذين يلمزون في موضع نصب بفعل محذوف يفسره سخر، تقديره عاب الذين يلمزون. وقيل : الخبر محذوف تقديره : منهم الذين يلمزون. وقال أبو البقاء أيضا : من المؤمنين حال من الضمير في المطوعين، وفي الصدقات متعلق بيلمزون، ولا يتعلق بالمطوعين لئلا يفصل بينهما بأجنبي انتهى. وليس بأجنبي لأنه حال كما قرر، وإذا كان حالا جاز الفصل بها بين العامل فيها، وبين المعمول أخر، لذلك العامل نحو : جاءني الذي يمر راكبا بزيد. والسخرية :
الاستهزاء. والظاهر أن قوله : سخر اللّه منهم خبر لفظا ومعنى، ويرجحه عطف الخبر عليه.
وقيل : صيغته خبر، ومعناه الدعاء. ولما قال : فيسخرون منهم قال : سخر اللّه منهم على سبيل المقابلة، ومعناه : أمهلهم حتى ظنوا أنه أهملهم. قال ابن عباس : وكان هذا في الخروج إلى غزوة تبوك. وقيل : معنى سخر اللّه منهم جازاهم على سخريتهم، وجزاء الشيء قد يسمى باسم الشيء كقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «٢» قال ابن عطية : تسمية للعقوبة باسم الذنب، وهي عبارة عما حل بهم من المقت والذل في نفوسهم انتهى. وهو

(١) سورة البقرة : ٢/ ٩٨.
(٢) سورة الشورى : ٤٢/ ٤٠.


الصفحة التالية
Icon