البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٧٤
جاء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وهي أمكن من لفظة المتخلفين، إذ هم مفعول بهم ذلك، ولم يفرح إلا منافق فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر. ولفظ المقعد يكون للزمان والمكان، والمصدر وهو هنا للمصدر أي : بقعودهم، وهو عبارة عن الإقامة بالمدينة. وانتصب خلاف على الظرف، أي بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقال : فلان أقام خلاف الحي، أي بعدهم. إذا ظعنوا ولم يظعن معهم. قاله أبو عبيدة، والأخفش، وعيسى بن عمرو. قال الشاعر :
عقب الربيع خلافهم فكأنما بسط السواطب بينهنّ حصيرا
ومنه قول الشاعر :
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تأهب لأخرى مثلها وكأن قد
ويؤيد هذا التأويل : قراءة ابن عباس، وأبي حيوة، وعمرو بن ميمون خلف رسول اللّه. وقال قطرب، ومؤرج، والزجاج، والطبري : انتصب خلاف على أنه مفعول لأجله أي : لمخالفة رسول اللّه، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا. ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ خلف بضم الخاء، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابا، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابا. وفي قوله : فرح وكرهوا مقابلة معنوية، لأن الفرح من ثمرات المحبة. وفي قوله : أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم تعريض بالمؤمنين ويتحملهم المشاق العظيمة أي : كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل اللّه، وآثروا ذلك على الدعة والخفض، وكره ذلك المنافقون، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان. والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف. واستعذروا بشدّة الحر، فأجاب اللّه تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر، وقالوا : إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلا. وقيل : قالوا للمؤمنين لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسلوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر. قال ابن عباس، وأبو رزين والربيع : قال رجل : يا رسول اللّه، الحر شديد، فلا ننفر في الحر. وقال محمد بن كعب هو رجل من بني سلمة انتهى. أي : قال ذلك عن لسانهم، فلذلك جاء وقالوا بلفظ الجمع.


الصفحة التالية
Icon