البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٨
التعلق المعنوي والمعنى أنهم ينالهم حظهم مما كتب لهم إلى أن يأتيهم رسل الموت يقبضون أرواحهم فيسألونهم سؤال توبيخ وتقرير أين معبوداتكم من دون اللّه؟ فيجيبون بأنهم حادوا عنا وأخذوا طريقا غير طريقنا أو ضلوا عنا هلكوا واضمحلّوا والرّسل ملك الموت وأعوانه، ويَتَوَفَّوْنَهُمْ في موضع الحال وكتبت أَيْنَ ما متّصلة وكان قياسه كتابتها بالانفصال لأن ما موصولة كهي في إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ «١» إذا التقدير أين الآلهة التي كنتم تعبدون؟ وقيل :
معنى تَدْعُونَ أي تستغيثونهم لقضاء حوائجكم وما ذكرناه من أنّ هذه المحاورة بين الملائكة وهؤلاء تكون وقت الموت وأنّ التوفي هو بقبض الأرواح هو قول المفسرين، وقالت فرقة منهم الحسن : الرسل ملائكة العذاب يوم القيامة والمحاورة في ذلك اليوم ومعنى يَتَوَفَّوْنَهُمْ يستوفونهم عددا في السّوق إلى جهنم ونيل النصيب على هذا إنما هو في الآخرة إذ لو كان في الدّنيا لما تحققت الغاية لانقطاع النّيل قبلها بمدد كثيرة ويحتمل وَشَهِدُوا أن يكون مقطوعا على قالُوا فيكون من جملة جواب السؤال ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من اللّه تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر ولا تعارض بين هذا وبين قوله وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة أو في أوقات وجواب سؤالهم ليس مطابقا من جهة اللفظ لأنه سؤال عن مكان، وأجيب بفعل وهو مطابق من جهة المعنى إذ تقدير. السؤال ما فعل معبود وكم من دون اللّه معكم قالُوا ضَلُّوا عَنَّا.
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ. أي يقول اللّه لهم أي لكفار العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة وعبر بالماضي لتحقّق وقوعه وقوله ذلك على لسان الملائكة ويتعلق فِي أُمَمٍ في الظاهر بادخلوا والمعنى في جملة أُمَمٍ ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال وقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ أي تقدّمتكم في الحياة الدنيا أو تقدّمتكم أي تقدّم دخولها في النار وقدّم الجنّ لأنهم الأصل في الإغواء والإضلال ودلّ ذلك على أنّ عصاة الجنّ يدخلون النار، وفي النار متعلق بخلت على أنّ المعنى تقدّم دخولها أو بمحذوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجنّ والإنس كائنة في النار أو بادخلوا على تقدير أن تكون في بمعنى مع وقد قاله بعض المفسرين فاختلف مدلول في إذ الأولى تفيد الصحبة والثانية تفيد الظّرفية وإذا اختلف مدلول الحرف جاز أن يتعلق اللفظان بفعل واحد ويكون إذ ذاك ادْخُلُوا قد تعدّى إلى الظرف المختص بفي وهو الأصل وإن كان قد تعدّى في موضع آخر بنفسه لا بوساطة في كقوله وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ «٢»
(٢) سورة التحريم : ٦٦/ ١٠.