البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٨
وفي غاية البعد ما تؤول من ذلك ليصح شيء من تلك الأقوال أنهم أجلسوا على تلك الأماكن المرتفعة ليشاهدوا أحوال الفريقين فيلحقهم السّرور بتلك الأحوال ثم إذا استقر الفريقان نقلوا إلى أمكنتهم التي أعدّت لهم في الجنة فمعنى لَمْ يَدْخُلُوها لم يدخلوا منازلهم المعدّة لهم فيها ومعنى وَهُمْ يَطْمَعُونَ يتيقّنون ما أعدّ اللّه لهم من الزلفى وقد جاء الطمع بمعنى اليقين قال وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ «١» وطمع ابراهيم عليه السلام يقين. وقال الشاعر :
وإني لأطمع أنّ الإله قدير بحسن يقيني يقيني
وأما قول من قال : إنّ الأعراف جبل بين الجنة والنار فقد طعن فيه القاضي والجبائي وقالا : هو فاسد لأنّ قوله بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ يدلّ على أنّ كل من دخل الجنة لا بد أن يكون مستحقا لدخولها وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقّون الجنة ولا النار ثم يدخلون الجنة بمحض الفضل لا بسبب الاستحقاق ولأن كونهم من أهل الأعراف يدلّ على ميزهم من جميع أهل القيامة فإنّ إجلاسهم على الأماكن المرتفعة العالية على أهل الجنة والنار تشريف عظيم لا يليق إلا بالأشراف ومن تساوت حسناته وسيئاته درجته قاصرة لا يليق بهم ذلك التشريف، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون ونودوا خطاب مع أقوام معينين فلا يلزم أن تكون أهل الجنة كذلك، وعن الثاني أجلسهم لا للتشريف بل لأنها كالمرتبة المتوسطة بين الجنة والنار وأَنْ سَلامٌ يحتمل أن أَنْ تكون تفسرية ومخففة من الثقيلة ولم يدخلوها حال من المفعول أي ناداهم وهم في هذه الحال يعني أهل الجنة وهم يطمعون جملة خبريّة لا موضع لها من الإعراب أي نادوا أهل الجنة غير داخليها ثم أخبر أنهم طامعون في دخولها قال معناه أبو البقاء، وقيل : المعنى ونادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة بالسلام وهم قد دخلوا الجنة وأهل الأعراف لم يدخلوها فيكون قوله لَمْ يَدْخُلُوها حالا من ضمير ونادوا العائد على أهل الأعراف فقط وهذا تأويل ابن مسعود وقتادة والسدّي وغيرهم، وقال ابن مسعود : واللّه ما جعل اللّه ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم وهذا هو الأظهر والأليق بمساق الآية، وقال ابن مسعود أيضا : إنما طمع أصحاب الأعراف لأنّ النور الذي كان في أيديهم لم يطفأ حين طفىء نور ما بأيدي المنافقين، وقيل : وَهُمْ يَطْمَعُونَ حال من ضمير الفاعل في يَدْخُلُوها والمعنى لم يدخلوها في حال طمع لها بل كانوا في حال يأس وخوف لكن عمّهم عفو اللّه.