البحر المحيط، ج ٥، ص : ٦٧
وقال أبو عبد اللّه الرازي وصف هذه الحركة بالسرعة والشدة لأنّ تعاقب الليل والنهار يحصل بحركة الفلك الأعظم وتلك الحركة أشد الحركات سرعة وأكملها شدّة حتى إنّ الباحثين عن أحوال الموجودات قالوا : الإنسان إذا كان في العدو الشديد الكامل قبل أن يرفع رجله ويضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل ولهذا قال : يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ونظيره لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها «١» الآية شبه ذلك المسير وتلك الحركة بالسباحة في الماء والمقصود التنبيه على السرعة والسهولة وكمال الاتصال انتهى وفيه بعض تلخيص.
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ انتصب مُسَخَّراتٍ على الحال من المجموع أي وخلق الشمس، وقرأ ابن عامر بالرفع في الأربعة على الابتداء والخبر، وقرأ أبان بن ثعلب برفع وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ فقط على الابتداء والخبر ومعنى بِأَمْرِهِ بمشيئته وتصريفه وهو متعلق بمسخرات أي خلقهن جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره وكما يريد أن يصرفها سمي ذلك أمرا على التشبيه كأنّهن مأمورات بذلك، وقال أبو عبد اللّه الرازي الشمس لها نوعان من الحركة أحدهما بحسب ذاتها وذلك يتم في سنة كاملة وبسبب ذلك تحصل السّنة، والثاني حركتها بحسب حركة الفلك الأعظم ويتم في اليوم بليلته فتقول الليل والنهار لا يحصلان بحركة الشمس وإنما يحصلان بحركة السماء الأقصى الذي يقال له العرش فلهذا السبب لما دل على العرش بقوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وربط بقوله يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ تنبيها على أنّ حدوث الليل والنهار إنما يحصل بحركة العرش وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ تنبيها على أنّ الفلك الأعظم وهو العرش يحرك الأفلاك والكواكب على خلاف طبعها من المشرق إلى المغرب وأنه تعالى أودع في جرم الشمس قوة قاهرة باعتبارها قويت على قهر جميع الأفلاك والكواكب وتحريكها على خلاف مقتضى طبائعها فهذه أبحاث معقولة ولفظ القرآن مشعر بها والعلم عند اللّه، انتهى.
وتكلم في قوله مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ كلاما كثيرا هو من علم الهيئة وهو علم لم ننظر فيه قال : أربابه وهو علم شريف يطلع فيه على جزئيات غريبة من صنعة اللّه تعالى يزداد بها إيمان المؤمن إذ المعرفة بجزئيات الأشياء وتفاصيلها ليست كالمعرفة بجمليتها، وقيل بِأَمْرِهِ أي بنفاذ إرادته إذ المقصود تبيين عظيم قدرته لقوله ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً «٢» وقوله إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ «٣» الآية. وقيل الأمر هو الكلام.
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ١١.
(٣) سورة النحل : ١٦/ ٤٠.