البحر المحيط، ج ٥، ص : ٩
ابن عباس فيكون مما توجه فيه الخطاب إليه لفظا وهو لأمته معنى أي فلا يشكّوا أنه من عند اللّه.
وقال الحسن : الحرج هنا الضيق أي لا يضيق صدرك من تبليغ ما أرسلت به خوفا من أن لا تقوم بحقّه. وقال الفرّاء : معناه لا يضيق صدرك بأن يكذّبوك كما قال تعالى : فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «١» وقيل : الحرج هنا الخوف أي لا تخف منهم وإن كذبوك وتمالؤوا عليك قالوا : ويحتمل أن يكون الخطاب له ولأمته، والظاهر أنّ الضمير في مِنْهُ عائد على الكتاب، وقيل على التبليغ الذي تضمنه المعنى. وقيل على التكذيب الذي دلّ عليه المعنى، وقيل على الإنزال، وقيل على الإنذار.
قال ابن عطية : وهذا التخصيص كله لا وجه له إذ اللفظ يعمّ جميع الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله وذلك يستغرق التبليغ والإنذار وتعرّض المشركين وتكذيب المكذبين وغير ذلك وفَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ اعتراض في أثناء الكلام، ولذلك قال بعض الناس إن فيه تقديما وتأخيرا وَلِتُنْذِرَ متعلق بأنزل انتهى. وكذا قال الحوفي والزمخشري أنّ اللام متعلقة بقوله أُنْزِلَ وقاله قبلهم الفرّاء ولزم من قولهم أن يكون قوله : فلا يكن في صدرك حرج اعتراضا بين العامل والمعمول. وقال ابن الأنباري : التقدير فلا يكن فِي صَدْرِكَ حرج منه كي تنذر به فجعله متعلقا بما تعلّق به في صدرك وكذا علقه به صاحب النظم فعلى هذا لا تكون الجملة معترضة وجوّز الزمخشري وأبو البقاء الوجهين إلا أنّ الزمخشري قال :(فإن قلت) : بم يتعلق قوله : لِتُنْذِرَ (قلت) : بأنزل أي أنزل إليك لإنذارك به أو بالنهي لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم ولذلك إذا أيقن أنه من عند اللّه شجّعه اليقين على الإنذار لأنّ صاحب اليقين جسور متوكّل على عصمته انتهى.
فقوله أو بالنهي ظاهره أنه يتعلق بالنّهي فيكون متعلقا بقوله فلا يكن وكان عندهم في تعليق المجرور والعمل في الظرف فيه خلاف ومبناه على أنه هل تدلّ كان الناقصة على الحدث أم لا فمن قال إنها تدلّ على الحدث جوّز فيها ذلك، ومن قال إنها لا تدلّ عليه لم يجوّز ذلك، وأعرب الفرّاء وغيره المص مبتدأ وكِتابٌ خبره وأعرب أيضا كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب وذِكْرى هو مصدر ذكر بتخفيف الكاف وجوّزوا فيه أن يكون مرفوعا عطف على كتاب أو خبر مبتدأ محذوف أي وهو ذكرى، والنصب على المصدر على إضمار فعل معطوف على لِتُنْذِرَ أي وتذكر ذكرى أو على موضع لِتُنْذِرَ لأن موضعه نصب فيكون إذ ذاك معطوفا على المعنى كما عطفت الحال على موضع المجرور في قوله دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ويكون مفعولا من أجله وكما تقول جئتك للإحسان وشوقا