البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٤٠
لكم في قراءة من فتح، ويحتمل أن تكون أن المفسرة. وأما في قراءة من كسر فيحتمل أن تكون المفسرة، والمراعى قبلها : إما أرسلنا وإما نذير مبين، ويحتمل أن تكون معمولة لأرسلنا أي : بأن لا تعبدوا إلا اللّه، وإسناد الألم إلى اليوم مجاز لوقوع الألم فينه لا به.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : فإذا وصف به العذاب؟ (قلت) : مجازى مثله، لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب، ونظيرهما قولك : نهاره صائم انتهى. وهذا على أن يكون أليم صفة مبالغة من آلم، وهو من كثر ألمه. فإن كان أليم بمعنى مؤلم، فنسبته لليوم مجاز، وللعذاب حقيقة. لما أنذرهم من عذاب اللّه وأمرهم بإفراده بالعبادة، وأخبر أنه رسول من عند اللّه، ذكروا أنه مماثلهم في البشرية، واستبعدوا أن يبعث اللّه رسولا من البشر، وكأنهم ذهبوا إلى مذهب البراهمة الذين ينكرون نبوة البشر على الإطلاق، ثم عيروه بأنه لم يتبعه إلا الأراذل أي : فنحن لا نساويهم، ثم نفوا أن يكون له عليهم فضل. أي : أنت مساوينا في البشرية ولا فضل لك علينا، فكيف امتزت بأنك رسول اللّه؟ وفي قوله : إلا الذين هم أراذلنا، مبالغة في الإخبار، وكأنه مؤذن بتأكيد حصر من اتبعه، وأنهم هم الأراذل لم يشركهم شريف في ذلك. وفي الحديث «إنهم كانوا حاكة وحجامين» وقال النحاس : هم الفقراء والذين لا حسب لهم، والخسيسو الصناعات. وفي حديث هرقل :«أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال : بل ضعفاؤهم، فقال : هم أتباع الرسل قبل» وإنما كان كذلك لاستيلاء الرئاسة على الأشراف وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد لغيرهم، والفقير خلى عن تلك الموانع فهو سريع إلى الإجابة والانقياد. ونراك يحتمل أن تكون بصرية، وأن تكون علمية. قالوا : وأراذل جمع الجمع، فقيل : جمع أرذل ككلب وأكلب وأكالب. وقيل : جمع أرذال، وقياسه أراذيل. والظاهر أنه جمع أرذل التي هي أفعل التفضيل وجاء جمعا، كما جاء أكابر مجرميها وأحاسنكم أخلاقا.
وقال الزمخشري : ما نراك إلا بشرا مثلنا، تعريض بأنهم أحق منه بالنبوّة، وأن اللّه لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا : هب أنك واحد من الملأ وموازيهم في المنزلة، فما جعلك أحق منهم؟ ألا ترى إلى قولهم : وما نرى لكم علينا من فضل، أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشرا، ولا يظهر ما قاله الزمخشري من الآية.
وقرأ أبو عمرو، وعيسى الثقفي : بادىء الرأي من بدأ يبدأ ومعناه : أول الرأي. وقرأ باقي السبعة : بادي بالياء من بدا يبدو، ومعناه ظاهر الرأي. وقيل : بادي بالياء معناه بادىء بالهمز، فسهلت الهمزة بإبدالها ياء لكسر ما قبلها. وذكروا أنه منصوب على الظرف،