البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٦١
وحديث بعث نوح عليه السلام الغراب والحمامة ليأتياه بخبر كمال الغرق اللّه أعلم بما كان من ذلك.
وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة على الجودي بسكون الياء مخففة. قال ابن عطية : وهما لغتان، وقال صاحب اللوامح : هو تخفيف ياءي النسب، وهذا التخفيف بابه الشعر لشذوذه، والظاهر أن قوله : وقيل بعدا من قول اللّه تعالى كالأفعال السابقة، وبنى الجميع للمفعول للعلم بالفاعل، وقيل : من قول نوح والمؤمنين، قيل : ويحتمل أن يكون من قول الملائكة، قيل : ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن بلوغ الأمر ذلك المبلغ وإن لم يكن، ثم قول محسوس. ومعنى بعدا هلاكا يقال : بعد يبعد بعدا وبعدا إذا هلك، واللام في للقوم من صلة المصدر. وقيل : تتعلق بقوله : وقيل، والتقدير وقيل لأجل الظالمين، إذ لا يمكن أن يخاطب الهالك إلا على سبيل المجاز. ومعنى ونادى نوح ربه أي : أراد أن يناديه، ولذلك أدخل الفاء، إذ لو كان أراد حقيقة النداء والإخبار عن وقوعه منه لم تدخل الفاء في فقال، ولسقطت كما لم تدخل في قوله : إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ «١» والواو في هذه الجملة لا ترتب أيضا، وذلك أن هذه القصة كانت أول ما ركب نوح السفينة، ويظهر من كلام الطبري أن ذلك من بعد غرق الابن. وفي قوله : إن ابني من أهلي، ظهور أنه ولده لصلبه. ومعنى من أهلي أي : الذي أمرت أن أحملهم في السفينة لقوله : احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ «٢» ولم يظن أنه داخل فيمن استثناه اللّه بقوله : إلا من سبق عليه القول منهم لظنه أنه مؤمن وعموم قوله : ومن آمن يشمل من آمن من أهله ومن غير أهله، وحسن الخطاب بقوله : وإن وعدك الحق، أي الوعد الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به، وقد وعدتني أن تنجي أهلي، وأنت أعلم الحكام وأعدلهم.
قال الزمخشري : ويجوز أن تكون من الحكمة حاكم بمعنى النسبة، كما يقال : دارع من الدرع، وحائض وطالق على مذهب الخليل انتهى. ومعنى ليس من أهلك على قول من قال : إنه ابنه لصلبه أي الناجين، أو الذين عمهم الوعد. ومن زعم أنه ربيبه فهو ليس من أهله حقيقة، إذ لا نسبة بينه وبينه بولادة، فعلى هذا نفى ما قدّر أنه داخل في قوله :
وأهلك، ثم علل انتفاء كونه ليس من أهله بأنه عمل غير صالح. والظاهر أنّ الضمير في أنه عائد على ابن نوح لا على النداء المفهوم من قوله : ونادى المتضمن سؤال ربه، وجعله
(٢) سورة هود : ١١/ ٤٠.