البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٦٦
مسعود من قبل هذا القرآن. وقال الزمخشري : ولا قومك معناه : أن قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم، ولا سمعوه ولا عرفوه، فكيف برجل منهم كما تقول : لم يعرف هذا عبد اللّه ولا أهل بلده؟.
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ : وإلى عاد أخاهم معطوف على قوله : أرسلنا نوحا إلى قومه، عطف الواو المجرور على المجرور، والمنصوب على المنصوب، كما يعطف المرفوع والمنصوب على المرفوع والمنصوب نحو : ضرب زيد عمرا، وبكر خالدا، وليس من باب الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف نحو : ضربت زيدا، وفي البيت عمرا، فيجيء منه الخلاف الذي بين النحويين : هل يجوز في الكلام، أو يختص بالشعر؟ وتقدير الكلام في هود وعاد وأخوته منهم في الأعراف، وقراءة الكسائي غيره بالخفض، وقيل : ثم فعل محذوف أي :
وأرسلنا إلى عاد أخاهم، فيكون إذ ذاك من عطف الجمل، والأول من عطف المفردات، وهذا أقرب لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المتعاطفين. وهودا بدل أو عطف بيان. وقرأ محيصن : يا قوم بضم الميم كقراءة حفص : قل رب احكم بالحق بالضم، وهي لغة في المنادى المضاف حكاها سيبويه وغيره، وافتراؤهم قال الحسن : في جعلهم الألوهية لغير اللّه تعالى. وقال الزمخشري : باتخاذكم الأوثان له شركاء. والضمير في عليه عائد على الدعاء إلى اللّه، ونبه بقوله : الذي فطرني، على الرد عليهم في عبادتهم الأصنام، واعتقادهم أنها تفعل، وكونه تعالى هو الفاطر للموجودات يستحق إفراده بالعبادة. وأفلا تعقلون توقيف على استحالة الألوهية لغير الفاطر، ويحتمل أن يكون أفلا تعقلون راجعا إلى أنه إذا لم أطلب عرضا منكم، وإنما أريد نفعكم فيجب انقيادكم لما فيه نجاتكم، كأنه قيل : أفلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من اللّه تعالى، وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك. وتقدّم الكلام في اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ «١» أول هذه السورة قصد هود استمالتهم إلى الإيمان وترغيبهم فيه بكثرة المطر وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زورع وبساتين وعمارات حراصا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من هذه القوة والبطش والبأس مهيئين في كل ناحية.

(١) سورة هود : ١١/ ٣، ٥٢.


الصفحة التالية
Icon