البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٦٨
بنقول، فهي في موضع المفعول، ودلت على بله شديد وجهل مفرط، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم. وقول هود لهم في جواب ذلك : إني أشهد اللّه إلى آخره، حيث تبرأ من آلهتهم، وحرضهم كلهم مع انفراده وحده على كيده بما يشاؤون، وعدم تأخره من أعظم الآيات على صدقه وثقته بموعود ربه من النصر له، والتأييد والعصمة من أن ينالوه بمكروه، هذا وهم حريصون على قتله يرمونه عن قوس واحدة. ومثله قول نوح لقومه : ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ «١» وأكد براءته من آلهتهم وشركهم، ووقفها بما جرت عليه عادة الناس من توثيقهم الأمر بشهادة اللّه وشهادة العباد.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : هلا قيل : إني أشهد اللّه وأشهدكم (قلت) : لأنّ إشهاد اللّه على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب، فعدل به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما، وجيء به على لفظ الأمر بالشهادة انتهى. وإني بريء تنازع فيه أشهد واشهدوا، وقد يتنازع المختلفان في التعدي الاسم الذي يكون صالحا لأن يعملا فيه تقول : أعطيت زيدا ووهبت لعمر ودينارا، كما يتنازع اللازم والمتعدي نحو : قام وضربت زيدا. وما في ما تشركون موصولة، إما مصدرية، وإما بمعنى الذي أي : بريء من إشراككم آلهة من دونه، أو من الذين تشركون، وجميعا حال من ضمير كيدوني الفاعل، والخطاب إنما هو لقومه.
وقال الزمخشري : أنتم وآلهتكم انتهى. قيل : ومجاهرة هود عليه السلام لهم بالبراءة من أديانهم، وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزة لهود، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم، فلم يقدروا على نيله بسوء، ثم ذكر توكله على اللّه معلما أنه ربه وربهم، ومنبها على أنه من حيث هو ربكم يجب عليكم أن لا تعبدوا إلا إياه، ومفوضا أمره إليه تعالى ثقة بحفظه وانجاز موعوده، ثم وصف قدرة اللّه تعالى وعظيم ملكه من كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه، فأنتم من جملة أولئك المقهورين. وقوله : آخذ بناصيتها تمثيل، إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته، كما يقاد الأسير والفرس بناصيته، حتى صار الأخذ بالناصية عرفا في القدرة على الحيوان، وكانت العرب تجز ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنه قد قدر عليه وقبض على ناصيته. قال ابن جريج :
وخص الناصية لأن العرب إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالت : ما ناصية فلان إلا بيد