البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٧٦
أي : مؤخرا اطراحه وغلبته. ونحو هذا فيكون ذلك على جهة الاحتقار، ولذلك فسر بحقير، ثم يجيء قولهم : أتنهانا، على جهة التوعد والاستبشاع لهذه المقالة منه انتهى. وما يعبد آباؤنا حكاية حال ماضية، وإنا وإننا لغتان لقريش. قال الفراء : من قال إننا أخرج الحرف على أصله، لأن كناية المتكلمين نا، فاجتمعت ثلاث نونات. ومن قال : أنا استثقل اجتماعها، فأسقط الثالثة وأبقى الأولتين انتهى. والذي أختاره أن نا ضمير المتكلمين لا تكون المحذوفة، لأن في حذفها حذف بعض اسم وبقي منه حرف ساكن، وإنما المحذوفة النون الثانية من أنّ فحذفت لاجتماع الأمثال، وبقي من الحرف الهمزة والنون الساكنة، وهذا أولى من حذف ما بقي منه حرف. وأيضا فقد عهد حذف هذه النون مع غير ضمير المتكلمين، ولم يعهد حذف نون نا، فكان حذفها من أن أولى. ومريب اسم فاعل من متعد، أرابه أوقعه في الريبة، وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة. أو من لازم أراب الرجل إذا كان ذا ريبة، وأسند ذلك إلى الشك إسنادا مجازيا، ووجود مثل هذا الشك كوجود التصميم على الكفر.
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ : تقدم الكلام في أرأيتم في قصة نوح، والمفعول الثاني هنا لأرأيتم محذوف يدل عليه قوله : فمن ينصرني من اللّه إن عصيته، والتقدير : أعصيه في ترك ما أنا عليه من البينة. وقال ابن عطية : أرأيتم هو من رؤية القلب، والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي علمت وأخواتها، وإدخال أداة الشرط التي هي إن على جملة محققة، وهي كان على بينة من ربه، لكنه خاطب الجاحدين للبينة فكأنه قال : قدروا أني على بينة من ربي وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره، فمن يمنعني من عذابه؟ قال ابن عطية :
وفي الكلام محذوف تقديره : أيضرني شككم، أو أيمكنني طاعتكم، ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية انتهى. وهذا التقدير الذي قدره استشعار منه بالمفعول الثاني الذي يقتضيه أرأيتم، وأن الشرط وجوابه لا يقعان ولا يسدان مسد مفعولي أرأيتم، والذي قدرناه نحن هو الظاهر لدلالة قوله : فمن ينصرني من اللّه إن عصيته، فما تزيدونني غير تخسير. قال الزمخشري : غير أن أخسركم أي أنسبكم إلى الخسران، وأقول أنكم خاسرون انتهى.
يفعل هذا للنسبة كفسقته وفجرته أي : نسبته إلى الفسق والفجور. قال ابن عباس : معناه ما