البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٨١
جعل لهم من الاطلاع ما لم يجعل لغيرهم كقوله تعالى : يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ «١» وفي الحديث الصحيح :«قالت الملائكة ربي عبدك هذا يريد أن يعمل سيئة»
الحديث، أو بما يلوح في صفحات وجه الخائف. وامرأته قائمة جملة من ابتداء وخبر قال الحوفي وأبو البقاء : في موضع الحال، قال أبو البقاء : من ضمير الفاعل في أرسلنا، يعني المفعول الذي لم يسم فاعله، والزمخشري يسميه فاعلا لقيامه مقام الفاعل. وقال الحوفي : والتقدير أرسلنا إلى قوم لوط في حال قيام امرأته، يعني امرأة ابراهيم. والظاهر أنه حال من ضمير قالوا أي : قالوا لإبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته وهي سارة بنت هاران بن ناخور وهي ابنة عمه، قائمة أي : لخدمة الأضياف، وكانت نساؤهم لا تحتجب كعادة الأعراب، ونازلة البوادي والصحراء، ولم يكن التبرج مكروها، وكانت عجوزا، وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الأخلاق قاله : مجاهد. وجاء في شريعتنا مثل هذا من حديث أبي أسيد الساعدي :
وكانت امرأته عروسا، فكانت خادمة الرسول ومن حضر معه من أصحابه. وقال وهب :
كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم. وقال ابن إسحاق : قائمة تصلي. وقال المبرد :
قائمة عن الولد. قال الزمخشري : وفي مصحف عبد اللّه وامرأته قائمة وهو قاعد. وقال ابن عطية : وفي قراءة ابن مسعود : وهي قائمة وهو جالس. ولم يتقدّم ذكر امرأة ابراهيم فيضمر، لكنه يفسره سياق الكلام.
قال مجاهد وعكرمة : فضحكت حاضت. قال الجمهور : هو الضحك المعروف.
فقيل : هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسروره بنجاة أخيها وهلاك قومه، يقال : أتيت على روضة تضحك أي مشرقة. وقيل : هو حقيقة. فقال مقاتل : وروي عن ابن عباس ضحكت من شدّة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه. والذين جاؤوه ثلاثة، وهي تعهده يغلب الأربعين، وقيل : المائة. وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم. وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال وهب بن منبه : وروي عن ابن عباس :
ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال : هذا مقدم بمعنى التأخير. وذكر ابن الأنباري أنّ ضحكها كان سرورا بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا وكان أخاها، فإنه سينزل العذاب بقومه. وقيل : ضحكت لما رأت من المعجز، وهو أنّ الملائكة مسحت العجل الحنيذ فقام حيا يطفر، والذي يظهر واللّه أعلم أنهم لما لم يأكلوا،