البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٨٢
وأوجس في نفسه خيفة بعد ما نكر حالهم، لحق المرأة من ذلك أعظم ما لحق الرجل. فلما قالوا : لا تخف، وذكروا سبب مجيئهم زال عنه الخوف وسرّ، فلحقها هي من السرور ان ضحكت، إذ النساء في باب الفرح والسرور أطرب من الرجال وغالب عليهن ذلك. وقد أشار الزمخشري إلى طرف من هذا فقال : فضحكت سرورا بزوال الخيفة. وذكر محمد بن قيس سببا لضحكها تركنا ذكره لفظاعته، يوقف عليه في تفسير ابن عطية. وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من قراء مكة : فضحكت بفتح الحاء. قال المهدوي : وفتح الحاء غير معروف، فبشرناها هذا موافق لقوله تعالى : ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى، والمعنى :
فبشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق، وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قال ابن عطية : أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم اللّه تعالى، إذ كان ذلك بأمره ووحيه. وقال غيره : لما ولد لابراهيم إسماعيل عليهما السلام من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. وإنما بشروها دونه، لأنّ المرأة أعجل فرحا بالولد، ولأن إبراهيم قد بشروه وأمنوه من خوفه، فأتبعوا بشارته ببشارتها. وقيل : خصت بالبشارة حيث لم يكن لها ولد، وكان لإبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل.
والظاهر أن وراء هنا ظرف استعمل اسما غير ظرف بدخول من عليه كأنه قيل : ومن بعد إسحاق، أو من خلف إسحاق، وبمعنى بعد، روي عن ابن عباس واختاره مقاتل وابن قتيبة، وعن ابن عباس أيضا : أن الوراء ولد الولد، وبه قال الشعبي، واختاره أبو عبيدة.
وتسميته وراء هي قريبة من معنى وراء الظرف، إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده. فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء لإسحاق وهو ولده لصلبه، وإنما الوراء ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : المعنى ومن الوراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق، فلو قال : ومن الوراء يعقوب، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس انتهى. وبشرت من بين أولاد إسحاق بيعقوب، لأنها رأته ولم تر غيره، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وابراهيم ابن مائة سنة. وقيل : كان بينهما غير ذلك، وهي أقوال متناقضة.
وهذه الآية تدل على أنّ إسماعيل هو الذبيح، لأن سارة حين أخدمها الملك الجبار هاجر أم إسماعيل كانت شابة جميلة، فاتخذ إبراهيم هاجر سرية، فغارت منها سارة،