البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٨٣
فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق، وجاء من يومه مكة، وانصرف إلى الشام من يومه، ثم كانت البشارة بإسحاق وسارة عجوز محالة. وسيأتي الدليل على ذلك أيضا من سورة والصافات. ويجوز أن يكون اللّه سماها حالة البشارة بهذين الاسمين، ويجوز أن يكون الاسمان حدثا لها وقت الولادة، وتكون البشارة بولد ذكر بعده ولد ذكر، وحالة الإخبار عن البشارة ذكرا باسمهما كما يقول المخبر : إذا بشر في النوم بولد ذكر فولد له ولد ذكر فسماه مثلا عبد اللّه : بشرت بعبد اللّه. وقرأ الحرميان، والنحويان، وأبو بكر يعقوب : بالرفع على الابتداء ومن وراء الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن، وقدره الزمخشري مولود أو موجود. قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب. وأجاز أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور، كما أجازه الأخفش أي :
واستقرّ لها من وراء إسحاق يعقوب. وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب. وقال النحاس : ويجوز أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره :
ويحدث من وراء إسحاق يعقوب. قال ابن عطية : وعلى هذا لا تدخل البشارة انتهى. ولا حاجة إلى تكلف القطع والعدول عن الظاهر المقتضى للدخول في البشارة.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص، وزيد بن علي : يعقوب بالنصب. قال الزمخشري : كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : ليسوا مصلحين عشيرة، ولا ناعب، انتهى. يعني أنه عطف على التوهم، والعطف على التوهم لا ينقاس، والأظهر أن ينتصب يعقوب بإضمار فعل تقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، ودل عليه قوله : فبشرناها، لأن البشارة في معنى الهبة، ورجح هذا الوجه أبو علي ومن ذهب إلى أنه مجرور معطوف على لفظ بإسحاق، أو على موضعه. فقوله ضعيف، لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور، لا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فإن جاء ففي شعر. فإن كان المعطوف منصوبا أو مرفوعا، ففي جواز ذلك خلاف نحو : قام زيد واليوم عمرو، وضربت زيدا واليوم عمرا والظهر أن الألف في يا ويلتا بدل من ياء الإضافة نحو : يا لهفا ويا عجبا، وأمال الألف من يا ويلتا عاصم وأبو عمرو والأعشى، إذ هي بدل من الياء. وقرأ الحسن : يا ويلتي بالياء على الأصل. وقيل :
الألف ألف الندبة، ويوقف عليها بالهاء. وأصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس. ويا ويلتا كلمة تخف على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، واستفهمت بقولها أألد استفهام إنكار وتعجب،


الصفحة التالية
Icon