البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٩٠
لها الالتفات، فيفيد معنى الآية يعني أنّ التقدير يصير إلا امرأتك، فإنها لم تنه عن الالتفات. قال ابن عطية : وهذا الاعتراض حسن يلزم أنّ الاستثناء من أحد رفعت التاء أو نصبت، والانفصال عنه يترتب بكلام محكي عن المبرد وهو أنّ النهي إنما قصد به لوط وحده، والالتفات منفي عنهم، فالمعنى : أن لا تدع أحدا منهم يلتفت. وهذا كما تقول لرجل : لا يقم من هؤلاء أحد، وأولئك لم يسمعوك، فالمعنى : لا تدع من هؤلاء يقوم، والقيام في المعنى منفى عن المشار إليهم.
وقال الزمخشري : وفي إخراجها مع أهله روايتان : روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت : وا قوماه، فأدركها حجر فقتلها. وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها، وأن هواها إليهم، ولم يسر بها.
واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين انتهى. وهذا وهم فاحش إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سرى بها، أو أنه لم يسر بها، وهذا تكاذب في الأخبار يستحيل أن تكون القراءتان وهما من كلام اللّه تترتبان على التكاذب. وقيل في الاستثناء من الأهل إشكال من جهة المعنى، إذ يلزم أن لا يكون سري بها، ولما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا، وزال هذا الإشكال أن يكون لم يسر بها، ولكنها لما تبعتهم التفتت. وقيل : الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها، فالمعنى : لكن امرأتك يجري لها كذا وكذا. ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر، وليس فيها استثناء البتة قال تعالى : فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، فلم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم اللّه تعالى. فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع، ففيه النصب والرفع.
فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القرّاء انتهى.
وهذا الذي طول به لا تحقيق فيه، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات، وجعل استثناء منقطعا كان الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع من العرب، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع، وهو الذي يمكن توجه العامل عليه. وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى منه،


الصفحة التالية
Icon