البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٥٢
الكلام حذف تقديره : فتعلق يوسف بحبل الدلو، فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي.
وتعلقه بالحبل يدل على صغره، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبا، ولفظه غلام ترجح ذلك، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف :
غلام إذا هز القناة سقاها وقوله : يا بشراي هو على سبيل السرور والفرح بيوسف، إذ رأى أحسن ما خلق.
وأبعد السدّي في زعمه أنّ بشرى اسم رجل، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى :
فهذا من آونتك. وقرأ يا بشرى بغير إضافة الكوفيون، وروى ورش عن نافع : يا بشراي :
بسكون ياء الإضافة، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في وَمَحْيايَ «١» وقرأ أبو الطفيل، والحسن، وابن أبي إسحاق، والجحدري : يا بشرى بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة، وهي لغة لهذيل. ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة، في فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ «٢» قيل : ذهب به الوارد، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك، فبشرهم به وأسروه. الظاهر أنّ الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي : أخفوه من الرفقة، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر. وقال ابن عباس : الضمير في وأسروه وشروه لإخوة يوسف، وأنهم قالوا للرفقة : هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه، وذلك أنه
روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه، جاؤوهم وقالوا تلك المقالة.
وانتصب بضاعة على الحال أي : متجرا لهم ومكسبا. واللّه عليم بما يعملون أي : لم تخف عليه أسرارهم، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم، أو واللّه عليم بعمل إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا بيوسف
قيل : أوحى اللّه إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله، لحكمة أراد إمضاءها، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض، وإحواج إخوته إليه، ورفع أبويه على العرش، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنونا في القدر.
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ
(٢) سورة البقرة : ٣/ ٣٨.