البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٦٠
السابع على الترتيب، بل أحدها. وقدت يحتمل أن يكون معطوفا على واستبقا، ويحتمل أن يكون حالا أي : وقد قدّت جذبته من خلفه بأعلى القميص من طوقه، فانخرق إلى أسفله. والقدّ : القطع والشق، وأكثر استعماله فيما كان طولا قال :
تقدّ السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
والقط : يستعمل فيما كان عرضا، وقال المفضل بن حرب : رأيت في مصحف قط من دبر أي شق. قال يعقوب : الشق في الجلد في الصحيح، والثوب الصحيح. وقال ابن عطية : وقرأت فرقة قط. وألفيا سيدها أي : وجدا وصادفا زوجها وهو قطفير. والمرأة تقول لبعلها : سيدي، ولم يضف إليهما، لأن قطفير ليس سيد يوسف على الحقيقة. ويقال : ألفاه ووارطه وصادفه ووالطه ولاظه، كله بمعنى واحد. قيل : ألفياه مقبلا يريد أن يدخل، وقيل :
مع ابن عم المرأة. وفي الكلام حذف تقديره : فرابه أمرهما وقال : ما لكما؟ فلما سأل وقد خافت لومه، أو سبق يوسف بالقول، بادرت أن جاءت بحيلة جمعت فيها بين تبرئة ساحتها من الريبة، وغضبها على يوسف وتخويفه طمعا في مواقعتها خيفة من مكرها، كرها لما آيست أن يواقعها طوعا ألا ترى إلى قولها : ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن؟ ولم تصرح باسم يوسف، بل أتت بلفظ عام وهو قولها : ما جزاء من أراد، وهو أبلغ في التخويف. وما الظاهر أنها نافية، ويجوز أن تكون استفهامية أي : أيّ شيء جزاؤه إلا السجن؟ وبدأت بالسجن إبقاء على محبوبها، ثم ترقت إلى العذاب الأليم، قيل : وهو الضرب بالسوط.
وقولها : ما جزاء أي : إن الذنب ثابت متقرر في حقه، وأتت بلفظ بسوء أي : بما يسوء، وليس نصا في معصية كبرى، إذ يحتمل خطابه لها بما يسوؤها، أو ضربه إياها. وقولها : إلا أن يسجن أو عذاب، يدل على عظم موقع السجن من ذوي الأقدار حيث قرنته بالعذاب الأليم.
وقرأ زيد بن علي : أو عذابا أليما، وقدره الكسائي أو يعذب عذابا أليما. ولما أغرت بيوسف وأظهرت تهمته احتاج إلى إزالة التهمة عن نفسه فقال : هي راودتني عن نفسي، ولم يسبق إلى القول أولا سترا عليها، فلما خاف على نفسه وعلى عرضه الطاهر قال : هي، وأتى بضمير الغيبة، إذ كان غلب عليه الحياء أن يشير إليها ويعينها بالإشارة فيقول : هذه راودتني، أو تلك راودتني، لأنّ في المواجهة بالقبيح ما ليس في الغيبة. ولما تعارض قولاهما عند العزيز وكان رجلا فيه إناءة ونصفة، طلب الشاهد من كل منهما، فشهد شاهد


الصفحة التالية
Icon