البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٩
الاختلاف، هو الوجه والاختلاف بسبب الكفر، هو المقتضى للوعيد، لا الاختلاف الذي هو بسبب الإيمان، إذ لا يصلح أن يكون سببا للوعيد، وقد تقدم الكلام على نحو هذا في البقرة في قوله : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً «١» ولكن أعدنا الكلام فيه لبعده.
والكلمة هنا هو القضاء، والتقدير : لبني آدم بالآجال المؤقتة. قال ابن عطية :
ويحتمل أن يريد الكلمة في أمر القيامة، وأنّ العقاب والثواب إنما يكون حينئذ. وقال الزمخشري : هو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة يقضي بينهم عاجلا فيما اختلفوا فيه، وتمييز المحق من المبطل. وسبقت كلمة اللّه بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب. وقال الكلبي : الكلمة أنّ اللّه أخبر هذه الأمة لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلى يوم القيامة، فلو لا هذا التأخير لقضى بينهم بنزول العذاب، أو بإقامة الساعة. وقيل : الكلمة السابقة أن لا يأخذ أحدا إلا بحجة وهو إرسال الرسل. وقيل : الكلمة قوله : سبقت رحمتي غضبي «٢» ولو لا ذلك ما أخر العصاة إلى التوبة.
وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ : هذا من اقتراحهم. قال الزمخشري : وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات. وجعلوا نزولها كلا نزول، فكأنه لم ينزل عليه قط حتى قالوا : لو لا أنزل عليه آية واحدة من ربه، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغي فقل : إنما الغيب للّه أي : هو المختص بعلم الغيب المستأثر به، لا علم لي ولا لأحد به. يعني : أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه، فانتظروا نزول ما اقترحتموه إني معكم من المنتظرين بما يفعل اللّه تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات. وقال ابن عطية : آية من ربه، آية تضطر الناس إلى الإيمان، وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط، ولا من المعجزات اضطرارية، وإنما هي معرضة النظر ليهتدي قوم ويضل آخرون، فقل : إنما الغيب للّه إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، لا يطلع على غيبه في ذلك أحد. وقوله :
فانتظروا، وعيد وقد صدقه اللّه تعالى بنصرته محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم. وقيل : الآية التي اقترحوا أن
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٠.