البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٠
ينزل ما تضمنه قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا «١» الآية وقيل : آية كآية موسى وعيسى كالعصا واليد البيضاء، وإحياء الموتى، طلبوا ذلك على سبيل التعنت.
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ : لما ذكر تعالى قوله : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ «٢». الآية ثم ذكر قوله : وقالوا لو لا انزل عليه آية «٣» وذلك على سبيل التعنت أخبر أنّ هؤلاء إنما يصيرون لهذه المقالات عند ما يكونون في رخاء من العيش وخلو بال، وأنّ إحسان اللّه تعالى قابلوه بما لا يجوز من ابتغاء المكر لآياته، وكان خليقا بهم أن يكونوا أول من صدق بآياته. وإعراضهم عن الآيات نظير قوله : فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ «٤». وسبب نزولها أنه لما دعا على أهل مكة الرسول بالجدب قحطوا سبع سنين، فأتاه أبو سفيان فقال : ادع لنا بالخصب، فإنّ أخصبنا صدقنا، فسأل اللّه لهم فسقوا ولم يؤمنوا، وهذه وإن كانت في الكفار فهي تتناول من العاصين من لا يؤدّي شكر اللّه عند زوال المكروه عنه، ولا يرتدع بذلك عن معاصيه، وذلك في الناس كثير.
تجد الإنسان يعقد عند مس الضر التوبة والتنصل من سائر المعاصي، فإذا زال عنه رجع إلى أقبح عاداته. والرحمة هنا الغيث بعد القحط، والأمن بعد الخوف، والصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر، وما أشبه ذلك. ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم، ومعنى مكر في آياتنا التكذيب بالقرآن، والشك فيه قاله جماعة. وقال مجاهد ومقاتل :
الاستهزاء والتكذيب. وقال أبو عبيدة : الرد والجحود. وحكى الماوردي النفاق لأنه إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو شبيه بما قال الزمخشري : إنّ المكر أخفى الكيد. وقال ابن عطية : والمكر الاستهزاء والطعن عليها من الكفار، واطراح الشكر والخوف من العصاة انتهى. والإذاقة والمس هنا مجازان، وفي هذه الجملة دليل على سرعة تقلب ابن آدم من حالة الخير إلى حالة الشر، وذلك بلفظ أذقنا، كأنه قيل : أول ذوقه الرحمة قبل أن يداوم استطعامها مكروه بلفظ من المشعرة بابتداء الغاية أي : ينشىء المكر إثر كشف الضراء لا يمهل ذلك. وبلفظ إذا الفجائية الواقعة جوابا لإذا الشرطية، أي في وقت إذاقة الرحمة
(٢) سورة يونس : ١٠/ ١٥. [.....]
(٣) سورة يونس : ١٠/ ٢٠. ويقولون. وفي الأنعام : ٦/ ٣٧. وقالوا : لو لا نزل عليه آية. وفي الرعد : ١٣/ ٧.
ويقول : لو لا أنزل عليه آية.
(٤) سورة يونس : ١٠/ ١٢.