البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٢٠
الاستفهام، والخلاف في تحقيق الهمزتين، أو تليين الثانية وإدخال ألف في التليين، أو التحقيق مذكور في القراآت السبع. وقرأ قتادة، وابن محيصن، وابن كثير : إنك بغير همزة استفهام، والظاهر أنها مرادة. ويبعد حمله على الخبر المحض، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون في القول وهو الظاهر، فإن قدر أنّ بعضا استفهم وبعضا أخبر، ونسب في كل من القراءتين إلى المجموع قول بعضهم : أمكن، وهو مع ذلك بعيد.
وقرأ أبي : أإنك، أو أنت يوسف. وخرجه ابن جني على حذف خبر إن وقدره : أإنك لأنت يوسف، أو أنت يوسف. وقدره الزمخشري : أإنك يوسف، أو أنت يوسف، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال : وهذا كلام مستعجب مستغرب لما يسمع، فهو يكرر الاستثبات انتهى. وحكى أبو عمرو الداني في قراءة أبي بن كعب قالوا : أو أنت يوسف؟ وفي قراءة الجمهور : أإنك لأنت، يجوز أن تكون اللام دخلت على أنت، وهو فصل. وخبر إنّ يوسف كما تقول : إن كان زيد لهو الفاضل. ويجوز أن تكون دخلت على أنت وهو مبتدأ، ويوسف خبره، والجملة في موضع خبر إن. ولا يجوز أن يكون أنت توكيدا للضمير الذي هو اسم إن لحيلولة اللام بينهما. ولما استفهموه أجابهم فقال : أنا يوسف كاشفا لهم أمره، وزادهم في الجواب قوله : وهذا أخي، لأنه سبق قوله : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه، وإن كان معلوما عندهم وتوطئة لما ذكر بعد من قوله : قد منّ اللّه علينا أي : بالاجتماع بعد الفرقة والأنس بعد الوحشة. ثم ذكر أنّ سبب منّ اللّه عليه هو بالتقوى والصبر، والأحسن أن لا تخص التقوى بحالة ولا الصبر. وقال مجاهد : من يتقي في تركه المعصية ويصبر في السجن. وقال النخعي : من يتقي الزنا ويصبر على العزوبة. وقيل : ومن يتق اللّه ويصبر على المصائب. وقال الزمخشري : من يتق، من يخف اللّه وعقابه، ويصبر عن المعاصي، وعلى الطاعات. وقيل : من يتقي معاصي اللّه، ويصبر على أذى الناس، وهذه كلها تخصيصات بحسب حالة يوسف ونوازله.
وقرأ قنبل : من يتقي، فقيل : هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة، وهذه الياء إشباع. وقيل : جزمه بحذف الحركة على لغة من يقول : لم يرمى زيد، وقد حكوا ذلك لغة. وقيل : هو مرفوع، ومن موصول بمعنى الذي، وعطف عليه مجزوم وهو : ويصبر، وذلك على التوهم. كأنه توهم أن من شرطية، ويتقي مجزوم. وقيل : ويصبر مرفوع عطفا على مرفوع، وسكنت الراء لا للجزم، بل لتوالي الحركات، وإن كان ذلك من كلمتين، كما سكنت في يأمركم، ويشعركم، وبعولتهن، أو مسكنا للوقف، وأجرى الوصل مجرى


الصفحة التالية
Icon