البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٣٤
وكذلك قال : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا «١» وقال ابن عباس : يعني رجالا لا نساء، فالرسول لا يكون امرأة، وهل كان في النساء نبية فيه خلاف؟ والنبي أعم من الرسول، لأنه منطلق على من يأتيه الوحي سواء أرسل أو لم يرسل، قال الشاعر في سجاح المتنبئة :
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ولم تزل أنبياء اللّه ذكرانا
فلعنة اللّه والأقوام كلهم على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت أصداؤه ماء مزن أينما كانا
وقرأ أبو عبد الرحمن، وطلحة، وحفص : نوحي بالنون وكسر الحاء، موافقا لقوله :
وما أرسلنا. وقرأ الجمهور بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول. والقرى المدن. قال ابن زيد :
أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية، فإنهم قليل نبلهم، ولم ينشىء اللّه قط منهم رسولا. وقال الحسن : لم يبعث اللّه رسولا من أهل البادية، ولا من النساء، ولا من الجن.
والتبدي مكروه إلا في الفتن،
ففي الحديث :«من بدا جفا»
ثم استفهم استفهام توبيخ وتقريع. والضمير في يسيروا عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر، ومن عاند الرسول وأنكر رسالته كفر أي : هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر أخبار الرسل السابقة، ويرون مصارع الأمم المكذبة، فيعتبرون بذلك؟ ولدار الآخرة خير، هذا حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها، واتقاء المهلكات. ففي هذه الإضافة تخريجان : أحدهما :
أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، وأصله : ولدار الآخرة. والثاني : أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه، وأصله : ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة. والأول :
تخريج كوفي، والثاني : تخريج بصرى.
وقرأ الجمهور : أفلا يعقلون بالياء رعيا لقوله : أفلم يسيروا. وقرأ الحسن، وعلقمة، والأعرج، وعاصم، وابن عامر، ونافع : بالتاء على خطاب هذه الأمة تحذيرا لهم مما وقع فيه أولئك، فيصيبهم ما أصابهم. قال الكرماني : أفلا يعقلون أنها خير، فيتوسلوا إليها بالإيمان انتهى. والاستيئاس من النصر، أو من إيمان قومهم قولان. وحتى غاية لما قبلها، وليس في اللفظ ما يكون له غاية، فاحتيج إلى تقدير فقدره الزمخشري : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا، فتراخى نصرهم حتى إذا استيأسوا عن النصر. وقال ابن عطية : ويتضمن قوله : أفلم يسيروا إلى ما قبلهم، أن الرسل الذين بعثهم اللّه من أهل القرى دعوهم فلم

(١) سورة الأنعام : ٦/ ٩٠.


الصفحة التالية
Icon