البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٤٤
وأكثر الناس قيل : كفار مكة لا يصدقون أن القرآن منزل من عند اللّه تعالى. وقيل :
المراد به اليهود والنصارى، والأولى أنه عام. ولما ذكر انتفاء الإيمان عن أكثر الناس، ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد وما يجذبهم إلى الإيمان فيما يفكر فيه العاقل ويشاهده من عظيم القدرة وبديع الصنع. والجلالة مبتدأ، والذي هو الخبر بدليل قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ «١» ويجوز أن يكون صفة. وقوله : يدبر الأمر يفصل الآيات خبرا بعد خبر، وينصره ما تقدمه من ذكر الآيات قاله الزمخشري. وقرأ الجمهور : عمد بفتحتين. وقرأ أبو حيوة، ويحيى بن وثاب : بضمتين، وبغير عمد في موضع الحال أي :
خالية عن عمد. والضمير في ترونها عائد على السموات أي : تشاهدون السموات خالية عن عمد. واحتمل هذا الوجه أن يكون ترونها كلاما مستأنفا، واحتمل أن يكون جملة حالية أي : رفعها مرئية لكم بغير عمد. وهي حال مقدرة، لأنه حين رفعها لم نكن مخلوقين.
وقيل : ضمير النصب في ترونها عائد على عمد أي : بغير عمد مرئية، فترونها صفة للعمد.
ويدل على كونه صفة لعمد قراءة أبي : ترونه، فعاد الضمير مذكرا على لفظ عمد، إذ هو اسم جمع. قال أي ابن عطية : اسم جمع عمود والباب في جمعه عمد بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل انتهى. وهو وهم، وصوابه : بضم الحرفين، لأن الثالث هو حرف الإعراب فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمع. هذا التخريج يحتمل وجهين : أحدهما : أنها لها عمد، ولا ترى تلك العمد، وهذا ذهب إليه مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس : وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليه كالقبة. والوجه الثاني : أن يكون نفي العمد، والمقصود نفي الرؤية عن العمد، فلا عمد ولا رؤية أي : لا عمد لها فترى. والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة، ولو كان لها عمد لا حتاجت تلك العمد إلى عمد، ويتسلسل الأمر، فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية. ألا ترى إلى قوله تعالى : وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ «٢» ونحو هذا من الآيات. وقال أبو عبد اللّه الرازي : العماد ما يعتمد عليه، وهذه الأجسام واقفة في الحيز العالي بقدرة اللّه تعالى، فعمدها قدرة اللّه تعالى، فلها عماد في الحقيقة. إلا أن تلك العمد إمساك اللّه تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز العالي، وأنتم لا ترون ذلك التدبير، ولا تعرفون كيفية ذلك الإمساك انتهى. وعن ابن عباس : ليست من دونها دعامة
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٦٥.