البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٧
ويترتب عليه من الانتفاع ثم الانقطاع. وقيل : شبهت الحياة الدنيا بالنبات على تلك الأوصاف، فيكون التقدير : كنبات ماء، فحذف المضاف. وقيل : شبهت الحياة بحياة مقدرة على هذه الأوصاف، فيكون التقدير : كحياة قوم بماء أنزلناه من السماء. قيل :
ويقوي هذا قوله : وظن أهلها أنهم قادرون عليها. والسماء إما أن يراد من السحاب، وإما أن يراد من جهة السماء، والظاهر أن النبات اختلط بالماء. ومعنى الاختلاط : تشبثه به، وتلقفه إياه، وقبوله له، لأنه يجري له مجرى الغذاء، فتكون الباء للمصاحبة. وكل مختلطين يصح في كل منهما أن يقال : اختلط بصاحبه، فلذلك فسره بعضهم بقوله : خالطه الماء وداخله، فغذّى كل جزء منه. وقال الكرماني : فاختلط به اختلاط مجاورة، لأنّ الاختلاط تداخل الأشياء بعضها في بعض انتهى. ولا يمتنع اختلاط النبات بالماء على سبيل التداخل، فلا تقول : إنه اختلاط مجاورة. وقيل : اختلط اختلف وتنوع بالماء، وينبو لفظ اختلط عن هذا التفسير. وقيل : معنى اختلط تركب. وقيل : امتد وطال. وقال الزمخشري :
فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا. وقال ابن عطية : وصلت فرقة النبات بقوله فاختلظ أي : اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء انتهى. وعلى هذه الأقوال الباء في بماء للسببية، وأبعد من ذهب إلى أن الفاعل في قوله : فاختلط، هو ضمير يعود على الماء أي :
فاختلط الماء بالأرض. ويقف هذا الذاهب على قوله : فاختلط، ويستأنف به نبات على الابتداء، والخبر المقدم. قال ابن عطية : يحتمل على هذا أن يعود الضمير في به على الماء وعلى الاختلاط الذي تضمنه الفعل انتهى. والوقف على قوله : فاختلط، لا يجوز وخاصة في القرآن، لأنه تفكيك للكلام المتصل الصحيح المعنى، الفصيح اللفظ، وذهاب إلى اللغز والتعقيد، والمعنى الضعيف. ألا ترى أنه لو صرح بإظهار الاسم الذي الضمير في كناية عنه فقيل بالاختلاط نبات الأرض، أو بالماء نبات الأرض، لم يكد ينعقد كلاما من مبتدأ وخبر لضعف هذا الإسناد وقربه من عدم الإفادة، ولو لا أنّ ابن عطية ذكره وخرّجه على ما ذكرناه عنه لم نذكره في كتابنا. ولما كان النبات ينقسم إلى مأكول وغيره، بيّن أنّ المراد أحد القسمين بمن فقال : مما يأكل الناس، كالحبوب والثمار والبقول والأنعام، كالحشيش وسائر ما يرعى. قال الحوفي : من متعلقة باختلط. وقال أبو البقاء : مما يأكل حال من النبات، فاقتضى قول أبي البقاء أن يكون العامل في الحال محذوفا لأنّ المجرور والظرف إذا وقعا حالين كان العامل محذوفا. وقول أبي البقاء : هو الظاهر، وتقديره : كائنا مما يأكل، وحتى غاية، فيحتاج أن يكون الفعل الذي قبلها متطاولا حتى تصحّ الغاية. فأما أن