البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٨
يقدر قبلها محذوف أي : فما زال ينمو حتى إذا، أو يتجوز في فاختلط، ويكون معناه فدام اختلاط النبات بالماء حتى إذا.
وقوله : أخذت الأرض زخرفها وازينت، جملة بديعة اللفظ جعلت الأرض آخذة زخرفها متزينة، وذلك على جهة التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتست وتزينت بأنواع الحلي، فاستعير الأخذ وهو التناول باليد لاشتمال نبات الأرض على بهجة ونضارة وأثواب مختلفة، واستعير لتلك البهجة والنضارة والألوان المختلفة لفظة الزخرف وهو الذهب، لما كان من الأشياء البهجة المنظر السارة للنفوس. وازينت أي :
بنباتها وما أودع فيه من الحبوب والثمار والأزهار، ويحتمل أن يكون قوله : وازينت تأكيدا لقوله : أخذت الأرض زخرفها. واحتمل أن لا يكون تأكيدا، إذ قد يكون أخذ الزخرف لا لقصد التزيين، فقيل : وازينت ليفيد أنها قصدت التزيين. ونسبة الأخذ إلى الأرض والتزيين من بديع الاستعارة. وقرأ الجمهور : وازينت وأصله وتزينت، فأدغمت التاء في الزاي فاجتلبت همزة الوصل لضرورة تسكين الزاي عند الإدغام. وقرأ أبي وعبد اللّه، وزيد بن علي، والأعمش : وتزينت على وزن تفعلت. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبو عبد الرحمن، وابن يعمر، والحسن، والشعبي، وأبو العالية، وقتادة، ونصر بن عاصم، وابن هرمز، وعيسى الثقفي : وأزينت على وزن أفعلت، كأحصد الزرع أي حضرت زينتها وحانت. وصحت الياء فيه على جهة الندور، كأعبلت المرأة. والقياس : وأزانت، كقولك وأبانت. وقرأ أبو عثمان النهدي بهمزة مفتوحة بوزن افعألت، قاله عنه صاحب اللوامح قال :
كأنه كانت في الوزن بوزن احمأرّت، لكنهم كرهوا الجمع بين ساكنين، فحركت الألف فانقلبت همزة مفتوحة. ونسب ابن عطية هذه القراءة لفرقة فقال : وقرأت فرقة وازيأنت وهي لغة منها قال الشاعر :
إذا ما الهوادي بالعبيط احمأرّت وقرأ أشياخ عوف ابن أبي جميلة : وازيانت بنون مشدّدة وألف ساكنة قبلها. قال ابن عطية :
وهي قراءة أبي عثمان النهدي. وقرأت فرقة : وازّاينت، والأصل وتزاينت فأدغم، والظن هنا على بابه من ترجيح أحد الجائزين. وقيل : بمعنى أيقنوا وليس بسديد، ومعنى القدرة عليها التمكن من تحصيلها ومنفعتها ورفع غلتها، وذلك لحسن نموها وسلامتها من العاهات.
والضمير في أهلها عائد على الأرض، وهو على حذف مضاف أي : أهل نباتها. وقيل :


الصفحة التالية
Icon